يقول تعالى: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا﴾ (النساء/ 86). ممّا حرص القرآن عليه في بناء العلاقات الاجتماعية والإنسانية، ونشر المحبة والسلام بين الناس هو الدعوة إلى نشر التحية والسلام؛ لتكون رسالة محبة وتفاعل نفسي وعاطفي بين أفراد المجتمع البشري؛ ليلقى كلّ فرد الآخرين فيحييهم ويحييونه، معبِّرين بذلك عن شعور الاحترام والتقدير للآخر.
ولم يدعُ القرآن إلى التحية فحسب، بل أمر بردها بأحسن منها، فقد تلقى التحية إلى مَن هو في موقع اجتماعي أو سياسي أو مالي أو علمي أو إداري، فيتعامل البعض من هؤلاء بتكبر واستعلاء، وعدم احترام مع مَن يلقي التحية، أو ربّما لا يردها، متصوّراً أنّه أرفع من الآخرين وأكبر من أن يرد عليهم التحية، والقرآن يعتبر رد التحية واجباً شرعياً والقاؤها مستحباً مؤكَّداً، لذا أمر بردها بأحسن منها. وحتى المصلي يجب عليه أن يرد التحية على مَن يحييه، وهو في الصلاة بمثل ألفاظها، ما لم يكن هناك مَن يرد التحية، ليكفي المصلي أداء هذا الواجب وهو في صلاته، ولحُرمة المساكن وحُرمة الإنسان فيها شرَّع الإسلام الاستئذان من صاحب الدار في الدخول والسلام على أهلها.
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ (النور/ 27). بل ولكي يعمّ مفهوم السلام الاجتماعي، وتتردَّد أصداؤه مع المشاعر والعواطف الإنسانية أمر القرآن الإنسان الذي يدخل في بيت غير مسكون، ولا يجد فيه أحداً، من البيوت التي يحقّ له دخولها أن يسلِّم على نفسه بإلقاء التحية والسلام.
نقرأ هذا التوجيه الإنساني النبيل في قوله تعالى: ﴿فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً﴾ (النور/61). ويشرح لنا الرسول الكريم محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) أهمية السلام في التواصل الاجتماعي، وبناء العلاقات الاجتماعية بقوله: «لا تَدخُلُوا الجنّةَ حتى تُؤمِنُوا، ولا تُؤمِنُوا حتى تَحَابُّوا، أوَلا أدُلُّكُم على شيءٍ إذا فعلتمُوهُ تَحابَبتُم؟ افشُوا السلامَ بينكم».
إنّ في هذا البيان النبويّ دلالات ثقافية عظيمة.. إنّ الحديث يربط بين الإيمان والحبّ وإفشاء السلام. وفي هذا دلالات وإفصاح عن رسالة الإسلام وموقع الحبّ والسلام من الإيمان الموجب لدخول الجنان.
إنّ أقوى عناصر التفاعل والتواصل الاجتماعي يصنعها الحبّ، وإلقاء التحية وإفشاء السلام رسول الحبّ، ورسالة المودة بين الناس.مقالات ذات صلة
ارسال التعليق