• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الامتنان الطيب

د. مأمون طربية

الامتنان الطيب
   إنّ الامتنان لا يكون فقد بكلمة "شكراً"، وقولها لا يعني شيئاً إن لم يكن مرفقاً بابتسامة رقيقة – تصرف مهذب – لفتة اعتبار – دعوة لقضاء يوم جميل – تذكر بعد سنين بتقدير ما، مجمل هذه الصور وغيرها يكون نابعاً من القلب ليس الغرض منه رد الجميل أو التملق أو إرضاءً لمصلحة ما، بقدر ما تعني أكثر من ذلك، إنها تنم عن خلق رفيع تتمتع به، عن تربية راقية ترعرعت عليها، عن لياقة رائعة تؤمن بها.

-         كم هو جميل أن نمتدح الغير على إنجازه معروفاً – عملاً – صنيعاً.

-         كم هو جميل أن نبادر إلى شكر الناس على ما أسدوه إلينا.

-         كم هو جميل أن تنظر إلى الأشياء الرائعة التي يقوم بها الناس وتقدرها.

-         كم هو جميل أن تنظر إلى الصفات الحسنة التي يتمتع بها بعضهم وتمتدحها.

-         كم هو جميل أن تكون صادقاً في التعبير عن مشاعرك.

وكم هو مخذل عندما يندفع أحدهم لمعروف ما، أو يخلص في إنجاز مشروع ثمّ يجحد في حقه أو يستخف بأدائه، كيف سيشعر بالإحباط والقهر والغبن ويمتنع عن القيام بمبادرات طيبة أخرى نادماً على ما فعل. فلنعبر عن امتناننا للجميع ونشكرهم، إذ إنّ أي كلمة رقيقة أو تصرف نبيل يمكن أن يكون لها تأثير كبير على نفسية الإنسان تشعره بالغبطة والسعادة والرضا.

الإنسان الذي يشكر دائماً هو إنسان إيجابي – متفاءل – محب – متفاعل – اجتماعي – منفتح – يهتم بالناس، فحاول أنت أن تكون هذا الإنسان ولا تقصر شكرك أو مجاملاتك على إنسان دون آخر: الفقير والغني، الصغير والكبير، المسؤول والعامل، بحاجة إلى شيء من الامتنان فهل فعلته حين تحين الفرصة. وهذا سرّ من أسرار الكثير من الناجحين في الحياة، فها هو "كارل سيويل" و"بول براون" مثلاً الرائدين في مجال بيع السيارات يخبرانا في كتابهما: "زبائن مدى الحياة"، كيف أنّهم يحاولون دائماً شكر عملائهم على التعامل معهم، كما أنّهم لا ينسون شكر مستخدمي الشركة جميعهم عند قيامهم بعمل جيّد، وذلك عبر أكثر من طريقة:

·      إيجاد المناخ العائلي في مكان العمل (تسأل عن ظروف العاملين العائلية).

·      إيجاد نظام مكافأة للإجادة ولمن يتجاوزون الهدف بالعمل المخلص بين وقت وآخر.

·      إعداد مأدبة في الطبيعة (أو حفلة في مكان العمل أثناء المناسبات).

·      إن تشير وتنوّه بالأداء الجيد الذي قام به أحدهم في اجتماع عام.

·      المبادرة – إذا كنت مديراً – إلى شكر المستخدمين بنفسك، كثيرة هي الأعمال الإدارية التي تفوضها لمن هم دونك، ولكن شكر أي عامل لقيامه بعمل جيد يجب أن تقوم به بنفسك. (وكم هو رائع أن تسلمه التنويه، أو الشكر عند زيارتك لمكتبه).

ومما يقولانه في كتابهما المذكور: "نحن نشكر عملائنا بعدة طرق: شخصياً أو على الهاتف، ولنتأكد أنّ كلّ شيء على ما يرام، نرسل بطاقات معايدة، هدية جميلة، وليس ضرورياً أن يكون برنامج حوافز العملاء هذا مرتبط بشراء شيء معيّن، فمثلاً في سنة نقيم حفلة سنوية لهم، وفي سنة أخرى ندعوهم لعرض فني أو أزياء، وكثيراً ما ندعوهم ليكونوا ضيوفنا في ولائم يتولاها أمهر الطباخين المعروفين. هذه هي أبرز طرقنا لنعرب عن شكرنا لعملائنا الفعليين، لأنّ العملاء يحبون أن يشكروا على تعاملهم معنا".

 

عندما تتلقى امتناناً!

بعض الناس يرتبكون عندما يوجه إليهم أي شخص كلمة مديح، أو مجاملة لطيفة، فلا يعرفون بما يردون، وأكثر من ذلك يخامرهم شعور مفاده: "في الواقع لا أستحق كلّ هذا الثناء"، أو قد يتساءل بينه وبين نفسه: هل أنا فعلاً أستحق هذا المديح؟ ماذا يحدث له لو اكتشفوا عدم استحقاقي له، هل هم يتملقونني؟ كيف يمكن أن أرد؟ هنا بيت القصيد: كيف يمكن أن أرد؟ بعض هذه التساؤلات تنم عن تواضع رفيع منك، ولكن لا ينبغي أن تهوي بك نحو قلة الثقة والخجل، فالأمر لا يحتاج إلى إرباك أو إثارة شكوك.. ينبغي أن لا ننظر دائماً إلى المديح نظرة قاتمة فربّ كلمة قد تخذل من يمتدحك، أو رفض هديته البسيطة تعبيراً عن إعجابه بأعمالك قد تجرحه. لذلك تصرف بكلّ بساطة وعفوية وبإيجابية تجاه الشاكر، ودرّب نفسك على أن تَشْكر وتُشْكر، فكما أنت تقوم بأعمال جليلة لآخرين ويبادرونك بالشكر كذلك هو الحال بالنسبة لهم إذا فعلوا لنا صنيعاً ما فلنتقبله بكلّ اعتبار. تخلص من كلّ ما يحول بينك وبين الغرور واللامبالاة أو السلبية عندما يتقدم نحوك أحدهم بشكر أو لطف أو لفتة تقدير، وهذِّب ذاتك على أن ترد المجاملة بالوقت المناسب وبالشكل المطلوب.

يقول الساحر الشهير "ستيفن كوهين" في كتابه: "الفوز بثقة الناس": "لقد تعلمت كيفية التعامل مع الإطراء المتواصل من الناس باعتماد استراتيجية بسيطة تساعد الشخص الممتدح على الشعور بالإطراء أيضاً من خلال تبادل الثناء والمديح: فعندما يطري أحدهم عليك:

1-  قل: "شكراً"، فهذا ما يرغب مقدم الإطراء سماعه، قلها بثقة تامّة وأنت تنظر في عيني الشخص المثني عليك.

2-  إذا بقيت صامتاً بعد تلقي الثناء تبدو معتداً بالنفس، لأنّ كلمة شكراً هي ردة فعل عفوية وفي حال لم تقلها كأنك لم تعبر عن مدى امتنانك لمقدم الإطراء.

3-  بدل وجهة الإطراء بحيث يطال مقدم الإطراء أيضاً، كأن تطرح سؤالاً شخصياً عليه، واربط السؤال بموضوع الإطراء الذي اختاره الشخص ليكون طبيعياً، كقول أحدهم لك مثلاً: كان عرضاً رائعاً؟ فتجيب أنت: شكراً لك، لقد كنت متوتراً بعض الشيء، هل سبق وشعرت بالتوتر لدى التكلم أمام الناس؟

4-  حاول دائماً أن تبادل الإطراء بإطراء مماثل، فالناس يرغبون بأن يتم تقديرهم حتى عندما يقدرونك.

في دراسة أجرتها إحدى الجامعات الأمريكية تبيّن أنّ الطلاب الذين تعودوا سماع الإطراء تخاذلوا أمام التحدي وكانوا أقل ابتكاراً من غيرهم، لأنّهم تحركوا إلى العمل رغبة في المدح كغرض بحد ذاته، في حين أنّ أولئك الذين لم يصيبوا إلا قليلاً من المدح اكتسبوا عادة الاستقلال في التحصيل فواجهوا تحدي الأساتذة بالدفاع العنيد عن مواقفهم لأنهم تعودوا "السباحة ضد التيار"، هذا يعني أنّ الإطراء والشكر على نحو شبه دائم يفقده كلّ قيمة، إذا كان كلّ ما يعمله أياً منا رائعاً ومدهشاً فلا يبقى حينئذٍ مجالاً للعمل الممتاز، ولكن عندما نقول أو نتلقى "الثناء" المرتكز على صحة الحكم حول صدق الإنجاز وأصالته، فمن المؤكد سيمنحنا ذلك شعوراً يتسم بالاغتباط. لهذا إنّ أفضل أنواع التقريظ هو المعتدل الخالي من التعميم والكلام الجارف.

 

المصدر: كتاب الشخص المناسب (هل تود أن تكون الشخص المناسب في المكان المناسب)؟

ارسال التعليق

Top