• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

ما هو نصيبنا من شهر رمضان؟

الشيخ صالح الكرباسي

ما هو نصيبنا من شهر رمضان؟

◄قال الله عزّوجلّ: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (البقرة/ 185).

ليس من شكٍّ في أنّ شهر رمضان المبارك هوشهر عظيم المنزلة بالقياس إلى غيره من الشهور، فهو شهر الضيافة الإلهيّة الكريمة، شهر مليءٌ بفرص الخير والسعادة والغفران والعمل الصالح.

ومن الخصائص الواضحة لهذا الشهر، هو أنّ الله جلّ جلاله خصَّه بالذِّكر في القرآن الكريم، حيث لم تُذكر سائر الشهور بأسمائها في القرآن الكريم.

وما يفترض أن يكون موضع اهتمامنا بصورة خاصّة تجاه عظمة هذا الشهر ومكانته وما يحتويه من فرص الخير، هو أن يخاطب كلّ واحدٍ منّا نفسه فيقول: ما هو نصيبي من هذا الشهر المبارك؟ وما هو نصيبنا نحن المسلمين المؤمنين الصائمين من بركات هذا الشهر العظيم؟

كما وينبغي أن يتساءل كلٌّ منّا ويقول: هل سأحظى بغفران الله ورضاه؟ وهل سأكون من الفائزين بالدرجات الرفيعة في نهاية هذا الشهر، أم أنّني سأكون من الخاسرين الذين لا نصيب لهم من بركات شهر رمضان، لأنّهم ضيَّعوا فرص الخير، فجلبوا الحسرة والندم لأنفُسهم؟! ومن الواضح أنّ الندم سوف لا يفيد، والحسرة لا تجدي بعد فوات الفرص!

فما علينا بالنسبة لهذا الشهر العظيم، هو بذل ما بوسعنا، والاجتهاد بصورة جادّة لأن نكون ممّن يفوز بأكبر قدر ممكن من بركات شهر الرحمة والغفران.

مَن هو الفائز؟

ولكي يكون نصيبنا من شهر رمضان وبركاته وافراً، فلابدّ أن نعرف أوّلاً، وبصورة واضحة ومحدّدة، معنى الفوز الذي نتحدّث عنه، عندها سنعرف من هو الفائز حقّاً.

ولو تأمّلنا في أدعية شهر رمضان المبارك، لحصلنا على الإجابة الدقيقة، وكذلك لو تأمّلنا في أدعية عيد الفطر‏، فقد ورد في الدُّعاء في يوم الفطر: «واجعلْ أفضلَ جائزتك لي اليوم، فَكاكَ رَقَبتي من النارِ، وأعطِني من الجنّةِ ما أنتَ أهلُه‏».

إذاً، فلو أردنا تحديد الفائز بكلمة واحدة، أمكننا أن نقول: إنّ المستفيد الحقيقي من بركات شهر رمضان هو الإنسان الحاصل على غفران الله عزّوجلّ، القادر على تخليص نفسه من عذاب الله وسخطه، وهو الفائز بالجائزة الإلهيّة .

كما وأنّ الخاسر الحقيقي هو المتقاعس عن الحصول على غفران الله، وهو ما صرَّح به الرسول المصطفى (ص)، حيث قال: «الشقيَّ مَن حُرِمَ غفرانَ اللهِ في هذا الشهر العظيم».

تحديد نقطة الانطلاق والهدف:

إذا علمنا بأنّ نقطة الهدف في شهر رمضان المبارك هي الخلاص من النار، فإنّ نقطة الانطلاق سوف لا تكون إلّا الورع عن محارم الله التي نهى عنها، والورع هو التقوى، والوصول إلى درجة المتقين هو الغاية والحكمة من تشريع الصيام، حيث قال سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة/ 183).

وإذا كان الإنسان محافظاً على عدم الخروج من دائرة الورع والتقوى، وملتزماً بأوامر الله ونواهيه، عاملاً بما افترض الله عليه في شهر رمضان وفي غيرها من الأشهر، فإنّه سوف يفوز بغفران الله تعالى، وعندها يكون الإنسان فائزاً.

روى الإمام محمّد بن عليّ الباقر (ع)، عن جابر بن عبدالله الأنصاري، أنّه قال رسول الله (ص) لجابر بن عبدالله: «يا جابرُ، هذا شهرُ رمضانَ، مَن صامَ نهارَه، وقامَ وِرداً من ليلِه، وعفَّ بَطنهُ وفَرجهُ، وكَفَّ لسانَه، خَرَجَ من ذنوبِه كخروجِه من الشهرِ».

فقال جابرٌ: يا رسول الله، ما أحسنَ هذا الحديث!

فقال رسول الله (ص): «يا جابرُ، وما أشدَّ هذه الشروط!».

موانع الوصول إلى مرحلة الفوز:

وهنا ينبغي الإشارة إلى أنّ هناك أُموراً تُعيق وصول الإنسان إلى نقطة الهدف والحصول على غفران الله، رغم بذل الجهد، وتحمّل مرارة الجوع والعطش، فلابدّ من الانتباه لها وأخذ الحذر بشأنها، وهي أُمور مهمّة جدّاً، تخصّ حالتنا المعاصرة كأُمّة إسلامية وكفرد مسلم، ونحن نشير إلى أهمّ هذه الأُمور من خلال التنبيهات التالية:

التنبُّه لخطط الأعداء:

منذ أن تنبّه أعداء الإسلام إلى أنّ قوّة المسلمين تكمن في تمسكهم بتعاليم الإسلام التي جاء بها القرآن الكريم، وما جاء به النبيّ المصطفى (ص)، والتزامهم بهذه التعاليم القيّمة المباركة التي لها أثرٌ إعجازي في تماسك الأُمّة الإسلامية ورُقيّها مادّياً ومعنوياً، ما يشكّل سدّاً منيعاً أمام هجماتهم الحاقدة، حتى بدأوا بكلّ ما بوسعهم في التخطيط لإبعاد المسلمين عن روح الدِّين الإسلامي، من خلال إفراغ الدِّين من محتواه الحقيقي والمؤثِّر، وعمدوا إلى المواسم الدينية والعبادية، وسعوا بكلّ الوسائل في جعلها طقوساً دينية جامدة لا روح فيها.

إنّ شهر رمضان شهر تربية النفس وتعويدها على الأخلاق الحميدة وتحمّل المسؤولية، وهو شهر مضاعفة العمل!!

نسأل الله عزّوجلّ أن يكون نصيبنا من هذا الشهر نصيباً وافراً مباركاً، وأن يرزقنا الله مغفرته وجنّته ورضوانه، وأن لا يكون نصيبنا منه الجوع والعطش، وأن لا نكون ممّن قال عنهم الرسول المصطفى (ص): «فإنّ الشقيَّ مَن حُرِمَ غفرانَ اللهِ في هذا الشهر العظيم».►

ارسال التعليق

Top