• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الإيمان.. ذكر الله الدائم

الإيمان.. ذكر الله الدائم
◄ذكر الله:

أولى القرآن الكريم اهتماماً بالغاً بعنوان ذكر الله، وقد ورد قوله تعالى: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ) (العنكبوت/ 45)؛ لأنّ مسألة الإيمان بالله، هي من المسائل التي يتوجّب على الإنسان أن يعيشها في حضور دائم، يتحرك في عقله، فيكون عقلاً منفتحاً على معرفة الله، بحيث يتمثله في كلّ نشاطه ووعيه، ويتحرك في قلبه، ليعيش الله في كلّ خفقات القلب ونبضاته، فلا ينبض إلّا بما يقربه إلى الله، ويتحرك معه في كلّ مفردات حياته، بحيث يشرق الله في كلّ كلماته عندما يتكلم، فيراه في كلّ كلمة، وفي كلّ عمل من أعماله، وفي كلّ علاقة من علاقاته؛ ليشعر بأنّ الله سبحانه وتعالى يحيط به من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله، في كلّ قضاياه وفي كلّ أوضاعه.

لذلك، لا يعود الإيمان مجرد فكرة تجريدية، بل يتحول إلى عنصر حيّ متحرك في كلّ مفاصل الذات وفي كلّ أوضاعها. وهذا ما نقرأه في كلمة للإمام عليّ (ع) - فيما روي عنه -: "ما رأيت شيئاً إلّا ورأيت الله قبله"، فكلّ ما يراه من ظواهر الكون ومن تفاصيله، يرى الله في داخله؛ لأنّ الله هو سر الوجود كلّه، فليس هناك أي وجود إلّا والله هو الذي خلقه، وهو الذي أتقنه، وهو الذي أعطاه قانونه وحرك كلّ أوضاعه.

ونعرض لبعض الآيات التي تناولت موضوع ذكر الله، لنحدّد الأفق الذي يتحرك فيه. يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا) (الأحزاب/ 41).

في هذه الآية، يخاطب الله تعالى المؤمنين، بأن يعيشوا ذكر الله بشكل يغلب على أوضاعهم، وعلى كلّ حركتهم في الحياة؛ أن يذكروه بكلّ مفردات الذكر التي تجعل الإنسان منفتحاً عليه، فإذا ذكره بعقله، فإنّ عقله ينفتح عليه، وإذا ذكره بقلبه، فإنّ قلبه ينبض به ويخفق له، وإذا ذكره بلسانه، فإنّه يؤكد به كلّ الصفات التي تعبر عن مواقع عظمته ونعمته.. (وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا) (الأحزاب/ 42)، في الصباح وعند حلول المساء، وهو وقت الأصيل. والتسبيح هو استقصاء لعظمة الله، فمعنى قولك: (سبحان الله)، يعني تعظيماً لله، كأنك تتطلع إلى الله في مواقع عظمته، فترى فيها سر العظمة وإبداع الخلق وإتقان الوجود، فتقول بكلّ كيانك: سبحان الله، أي تعظيماً لله في كلّ ما يوحي به الخلق من سر العظمة، وتعيش التعظيم لله في سمعك وبصرك وعقلك، لتتحرك من خلال المحسوس الذي تعيش فيه، فيما تراه، وفيما تسمعه، وفيما تلمسه، وفيما تذوقه، وفيما تشمه، للوصول إلى ما وراء المحسوس من المعقول؛ لأنّ الله لا يُدرَك بالبصر أو بالسمع، ولكنه مما يدركه العقل في كلّ معادلاته وفي كلّ أوضاعه، لتتحرك إلى المعقول في إبداع القدرة، وفي إتقان الخلق، وفي إحصاء آلاء الله سبحانه وتعالى. وعندما تسبّح، فإنّك تشعر بأنّ الكون يسبّح معك، كما قال تعالى: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) (الإسراء/ 44)، فأنت عندما تسبّح الله، فإنّك لا تشعر بأنّك وحدك في ذلك، فأنت تسبّحه بالكلمة، ولكن الكون يسبّحُه بكلّ مظاهر العظمة، وبكلّ أسرار النعمة، وبكلّ ما يتمثل به الله سبحانه وتعالى الخالق الجبار المتكبر الرحمن الرحيم...

وفي ما يلي من آيات، نجد أنّ الله سبحانه يريد أن يبيّن لنا أنّ الذكر يفتح عقل الإنسان على أسرار عظمة الله ونظامه في الكون، فيقول تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأولِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ) (آل عمران/ 190-191)، وهؤلاء هم أولو الألباب، أي أولي العقول، الذين يتحسّسون الله في عقولهم، فيذكرونه ولا ينسونه، وعندما يذكرون الله، يتطلعون إلى خلقه، إلى النظام الكوني المتمثّل بالسماوات والأرض، ويدرسون تكوين الوجود في الفضاء، وما أودعه سبحانه من نظم وقوانين، ويتطلعون إلى الأرض، ويدرسون ما فيها من أسرار، بكلّ ما تحتويه الأرض من مظاهر الخلق، مما يحتاجه الناس والحيوان في كلّ أمورهم وفي كلّ أوضاعهم وفي كلّ حياتهم، (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ) (آل عمران/ 191)، وعندما يتفكرون ويصلون إلى المعرفة في أسرار السماوات والأرض، يقولون: (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا) (آل عمران/ 191)، فلكلّ ما خلقته من السماوات والأرض في كلّ مظاهرها، سرٌ وموقعٌ من مواقع الإبداع والقدرة والعظمة، وبذلك يخشعون عندما يؤكّدون ذلك، فيطلبون من الله أن يسير بهم في خط الهدى وفي خط الطاعة، فيقولون: (سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (آل عمران/ 191).

 

الذكر تفاعل بين الإنسان والخالق:

وفي هذا المجال، ينقل لنا التأريخ أنّ علياً (ع) جاء مع سيدة النساء فاطمة (ع) يشكو للنبيّ (ص) متاعب الزهراء في تربيتها لأولادها، ثمّ في عملها البيتي، حيث كانت تطحن وتعجن وتخبز وتنظف البيت، حتى أثر ذلك على جسدها، وكان عليّ (ع) يطلب من النبيّ (ص) خادماً يعين الزهراء (ع) في كلّ متاعبها، وهو يعرف أنّ النبيّ (ص) لا يملك ذلك؛ لأنّه كان فقيراً، بل كان أفقر أصحابه، ولذلك قيل إنّه عندما كان المسلمون يحفرون الخندق في وقعة الأحزاب، كان يشاركهم أعمالهم وهو يربط حجر المجاعة على بطنه، فقال لهما: "أفلا أعلّمكما ما هو خيرٌ لكما من الخادم؟ إذا أخذتما منامكما، فكبّرا الله أربعاً وثلاثين تكبيرة، وسبّحا الله ثلاثاً وثلاثين تسبيحة، واحمدا الله ثلاثاً وثلاثين تحميدة، فقالت فاطمة (ع): رضيت عن الله وعن رسوله"، ولذلك سمّي بتسبيح الزهراء ولكن كيف نفهم ذلك؟

إنّ هذه التسبيحات - في تكبير الله وفي حمده وفي تسبيحه - تمثل الذكر الإلهي؛ ذكر الإنسان لله الذي ينفتح به عليه سبحانه وتعالى، ليخفّف بذلك آلامه،ولينفتح على محبّته ورضوانه، ليكون الله كلّ شيء في حياته.. ولذلك، فإنّ الزهراء (ع) كانت تسبّح بهذا التسبيح، وكذلك عليّ (ع)، وخُلّد التسبيح باسم الزهراء، حتى أصبح مستحباً بعد كلّ صلاة.

وتكمن أهمية ذكر الله سبحانه وتعالى، في عملية التفاعل التي يُحدثها بين الإنسان وبين الله سبحانه، كما جاء في قوله تعالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ) (البقرة/ 152). إنّ الله يريد أن يقول للإنسان: إن هناك تفاعلاً بيني وبينك، فإذا أنت ذكرتني في مواقع العظمة وفي مواقع النعمة وفي كلّ سر التوحيد، فإنني أذكرك، وذكر الله للإنسان هو رحمته ومغفرته ورضوانه، (وَاشْكُرُوا لِي) على ما أنعمت به عليكم، (وَلا تَكْفُرُونِ) أي لا تكفروا النعمة ولا تجحدوها.

وفي آية أخرى تعرفنا كيف نذكر الله، يقول تعالى: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً) (الأعراف/ 204)، اذكره في نفسك وأنت تتضرع إليه بكلّ مشاعرك وبكلّ أحاسيسك من دون أن تنطق بكلمة، حيث تجعل كلّ أحاسيسك وكلّ مشاعرك وكلّ كيانك تخشع لله وتتضرع إليه، فتستشعر الخوف منه، ليعينك ذلك على تقوى الله سبحانه وتعالى في مواقع طاعته والبعد عن معصيته، (وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ) (الأعراف/ 205)، يعني بشكلٍ هادئ خافت؛ إذ ليس من الضروري أن يكون الذكر بطريقة الصراخ (بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ) (الأعراف/ 205)، بل كُن من الذاكرين.

ويقول الله سبحانه وتعالى: (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) (الكهف/ 23-24)، يعني عندما تريد أن تفعل أي شيء في المستقبل، فعليك أن لا تغرق في قدراتك وفي ظروفك، لأنّ الله سبحانه وتعالى هو فوق ذلك، وهو المهيمن على الأمر كلّه، فهو المهيمن على عزائمك، وقدراتك، وكلّ ظروفك، (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لأقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا) (الكهف/ 24)، بحيث إنّك تعمل العمل، لكنك تطلب من الله أن يهديك إلى أفضل مما أنت عليه.

وفي آية أخرى، نجد أنّ الله يريد من رسوله - ويريد منّا أيضاً - أن نعيش مع الفقراء الذاكرين، وأن لا نستعرق مع الأغنياء المترفين الغافلين، فيقول تعالى - مخاطباً رسوله -: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) (الكهف/ 28).

ونقرأ - في القرآن الكريم - عن بعض النماذج: (رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأبْصَارُ) (النور/ 37)، (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) (الأحزاب/ 35).

 

الذكر الكاذب:

ويحدّثنا الله عن المنافقين؛ هؤلاء الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، وهم يذكرون الله في ألسنتهم، ولكنهم لا يذكرون الله في أعماق ذاتهم: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ) (النساء/ 142)، أي يتصرفون تصرف المخادع، فيُظهرون بعضاً من مظاهر الإيمان، (وَهُوَ خَادِعُهُمْ) لأنّ الله لا يُخدع، بل هو الذي يجعلهم يتحركون ويتصورون أنّه سيرضى عنهم بما يفعلونه، ولكنّه لا يتقبّل إلّا من المتقين المؤمنين عن قناعة، (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلا) (النساء/ 142)؛ لأنّهم لا يعيشون الإيمان بالله بكلّ عمقهِ وبكلّ أسراره.

ونقرأ في آية أخرى عن المنافقين (نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (التوبة/ 67)؛ لأنّهم لا يؤمنون بالله إيماناً عميقاً، بل يطفو إيمانهم على ألسنتهم فقط، لكي يوحوا إلى مجتمع المؤمنين أنّهم منهم ومعهم، نظراً إلى ترجّح موازين القوى لصالحهم، وهم يتربّصون الدوائر بهم في أي ظرفٍ قد تنقلب فيه هذه الموازين لمصلحة القوى المضادة. إنّ هؤلاء المنافقين لم يعيشوا الله سبحانه في عقولهم وقلوبهم وحركتهم، ومن كان ذلك، وكله الله إلى نفسه، وحرمه ألطافه ونعمه ورحمته.

 

الذكر في الأحاديث:

عن رسول الله (ص) أنّه قال: "لا تختارن على ذكر الله شيئاً"، يعني لا يشغلك أي شيء فيما تعيش الاهتمام به عن ذكر الله. وكأنّ النبي (ص) - بحسب هذه الرواية - يريد أن يستدلّ بالقرآن على كلامه، ليعلّمنا كيف نستوحي القرآن فيما نريد أن نؤكد من خطوط "فإنّه يقول: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ) (العنكبوت/ 45)".

وعن الإمام الصادق (ع): "ما من شيء إلّا وله حدّ ينتهي إليه إلّا الذكر، فليس له حدٌ ينتهي إليه". ثمّ يمثل الإمام (ع) كيف لا يكون للذكر حدّ، فيقول: "فرض الله عزّ وجلّ الفرائض، فمن أدّاهن فهو حدّهن، وشهر رمضان، فمن صامه فهو حدّه، والحجّ، فمن حجّ فهو حدّه"، أي أنّ لكلّ فرض ممّا فرض الله عزّ وجلّ حدوداً، فمن أدّى هذه الحدود وأتى بالشروط، فقد أدّى الواجب والفرض، فلا يعود مطالباً بالإتيان به، "إلّا الذكر، فإنّ الله عزّ وجلّ لم يرضَ منه بالقليل، ولم يجعل له حداً ينتهي إليه"، بحيث أراد الله للإنسان أن لا يجعل حدّاً للذكر، "ثم تلا"، أي الإمام الصادق (ع): (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا) (الأحزاب/ 41-42)، فقال: لم يجعل الله عزّ وجلّ له حدّاً ينتهي إليه".

وقال الإمام الصادق (ع) يخاطب حسين البزاز أحد الرواة: "ألا أحدثك بأشد ما فرض الله عزّ وجلّ على خلقه"؟ الأشياء التي تحتاج إلى جهاد النفس والضغط على الغرائز والمشاعر والأهواء "إنصاف الناس من نفسك"، يعني أن تواجه علاقتك بالناس، بحيث إذا كان للناس عليك حقّ، فعليك أن تعترف بهذا الحقّ لهم ولا تنكره، فتكون - أنت – الحاكم على نفسك للآخرين بنفسك، "ومواساتك لأخيك" في المال وفي القوة وفي كلّ شيء، "وذكر الله في كلّ موطن أما إني" - يقول الإمام الصادق (ع) - "لا أقول سبحانه الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر، وإن كان هذا من ذاك"، يعني لا أقصد بذكر الله هذه الفقرات فحسب، وإن كانت هي من ذكر الله، "ولكن ذكر الله في كلّ موطن، إذا هجمت على طاعته أو معصيته"، بحيث تتذكر الله عندما تكون في موقع الطاعة، ليدفعك ذلك إلى الإخلاص في الطاعة، وعندما تكون في موقع المعصية، ليمنعك ذلك من الإقدام على المعصية.

وعن الإمام الصادق (ع) - في تفسير قوله تعالى: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ) -: "قال ذكر الله عند ما أحلّ أو حرّم"، بحيث إنك تذكر الله عندما تواجه ما أحله لتفعله، وتواجه ما حرّمه لتتركه.

والإمام عليّ (ع) يقول: "الذكر ذكران: ذكرٌ عند المصيبة حسن جميل، وأفضل من ذلك ذكر الله عند ما حرّم عليك، فيكون ذلك حاجزاً".

وهكذا نتوقف عند هذه العبادة، وهي عبادة الذكر، لنعيشها في عقولنا وقلوبنا وحياتنا، في كلّ امتدادات حياتنا، وفي كلّ أوضاعها حتى نرتبط من خلال ذلك بالله في جميع أمورنا؛ ارتباط العبودية، وارتباط الحدانية والربوبية، (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) (المطففين/ 26).►

ارسال التعليق

Top