• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الإمام الحسين (عليه السلام).. صورة الداعية والمرشد (2)

عمار كاظم

الإمام الحسين (عليه السلام).. صورة الداعية والمرشد (2)

يتحدَّث الإمام (عليه السلام) عن خطِّ الضلال والانحراف عن الله سبحانه وتعالى، والذي يستهوي الناس ويجعلهم يرغبون في سلوكه نتيجة اللحظة التي يحس فيها الإنسان بالشهوة وباللذة، ويحدق بالأرباح العاجلة، فيقول (عليه السلام): «اتقوا هذه الأهواء» أهواء النفس وشهواتها التي تنحرف عن خط الله.

فالله لم يحرِّم علينا أن نشبع شهوات أنفسنا، ولكنه سبحانه وتعالى حدّد الشهوة الحرام والشهوة الحلال، ولم يحرّم علينا أن نأخذ بأسباب اللذة في الحياة، ولكنه سبحانه جعل لذة حلال ولذة حرام، فالقضية هي أن نختار ما أحلّه الله سبحانه وتعالى، أما الأخذ بالحرام في اللذة، في الشهوة، أو في الخط والعلاقة والموقف، فهذه نتائجها سيئة على الإنسان، لأنّ «جماعها الضلالة وميعادها النار».

التوازن في الحركة:

ثم يتحدث الإمام (عليه السلام) عن ظاهرة موجودة عند الناس، بحيث يسيء المرء وبعدها يعتذر، فالإمام (عليه السلام) يقول في ما يروى عنه: «إيَّاك وما تعتذر منه _ أي لا تقدم على الأشياء التي تجعلك تعتذر من الناس الذين أسأت إليهم، وفِّر على نفسك الاعتذار، لأنّ الاعتذار ذلّ _ فإن المؤمن لا يسيء ولا يعتذر، والمنافق كل يوم يسيء ويعتذر». وهذه مسألة تربوية مهمَّة، تجعل الإنسان يدرس كلَّ ما يريد أن يقوله، أو أن يعمله؛ في بيته، في مجتمعه، وفي كلِّ مجالات عمله، فإذا شعر أنه سوف يقف موقف الاعتذار، فعليه أن يجنِّب نفسه ذلك.

ثم يبيّن الإمام (عليه السلام) كيف يتصرف العاقل مع الآخرين، بقوله: «العاقل لا يحدّث من يخاف تكذيبه _ أي لا تحدث من يغلب عليه ظنك بأنه سوف يكذِّبك، لأنه لا فائدة من ذلك، باعتبار أنه لا يصدّقك حتى لو كنت ما تتحدث به هو الحق _ ولا يسأل من يخاف منعه _ أي تسأل من تشعر أنه سوف يمنعك ولا يقضي لك حاجتك، _ ولا تثق بمن يُخاف غدره...»، فمن كان خُلُقُه الغدر، أو يغلب على الظن أنه يغدر بمن يثق به، فلتكن علاقتك به علاقة الحذر، فلا تعطي الثقة كاملةً لأيَّ شخص مهما كانت الظروف.

وفي هذا الخصوص، سمعنا من أئمتنا(عليهم السلام) في ما عرفوه من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، أن الإنسان لا يعطي الثقة بلا حساب، وقد تحدَّثنا في هذا المجال كثيراً في ما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «لا تثق بأخيك كل الثقة _ أي الثقة العمياء به (ما عدا المعصوم) _ فإن صرعة الاسترسال لا تستقال».

هذه كلمة للإمام عليّ، وما أروعه في كلماته في التربية الاجتماعية وفهمه للمجتمع وهو يقول: «أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما». اجعل نفسك دائماً في خط التوازن في الحب وفي البغض، في العداوة وفي الصداقة.

وفي الحديث أنه جاء الإمام الحسين (عليه السلام) شخصٌ من الذين شغلهم الجدل حباً بالجدل، وليس لطلب الحقيقة أو لأجل حلّ مشكلة، فهو يناقش ويجادل بهدف الغلبة، فقال للحسين بن علي (عليهما السلام): اجلس حتى نتناظر في الدين. قال (عليه السلام): «يا هذا، أنا بصير بديني، مكشوف عليّ هداي، فإن كنت جاهلاً بدينك فاذهب فاطلبه، ما لي وللمماراة، إن الشيطان ليوسوس للرجل ويناجيه ويقول: ناظر الناس في الدين كيلا يظنوا بك العجز والجهل». ثم ينطلق الإمام (عليه السلام) من حديثه مع هذا الرجل إلى بيان القواعد في الجدل، «المراء _ الجدل _ لا يخلو من أربعة، إما أن تتمارى أنت وصاحبك في ما تعلمان، فقد تركتما بذلك النصيحة، وطلبتما الفضيحة، وأضعتما ذلك العلم، أو تجهلانه، فأظهرتما جهلاً وخاصمتما جهلاً، وإما تعلمه أنت _ والآخر جاهله _ فظلمت صاحبك بطلبه عثراته، أو يعلمه صاحبك _ وأنت تجهله _ فتركت حرمته ولم تنـزله منـزلته، وهذا كله محال، فمن أنصف وقبل الحق وترك المماراة، فقد أوثق إيمانه وأحسن صحبة دينه وصان عقله». هذا هو الخط الحسيني الإسلامي في قصة الجدل.

أيها الأحبة، إن الحسين (عليه السلام) هو إمام الإسلام الذي لا بد أن ننفتح على كل خطوط إمامته، فلا نستغرق في حسين المأساة أو حسين الثورة، ولكن علينا أن نعيش الحسين كما نعيش أباه وأخاه وأولاده، ممّن حملوا لنا رسالة جدهم (صلى الله عليه وآله وسلم) التي هي رسالة الله.

هذا هو معنى الإمامة، وهذا هو معنى الولاية، وهذا هو معنى الالتزام بأهل البيت (عليهم السلام)، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، لنتطهَّر بطهارتهم ولنـزيل عنّا رجس الجهل والمعصية.

ارسال التعليق

Top