• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الإحسان إلى الحِرفة

أسرة

الإحسان إلى الحِرفة
تنويه: (الحِرفة) عنوان لكلِّ المهن والصنائع والحِرَف التي يقوم بها الإنسان من بناء وصناعة ونجارة وتجارة وجزارة وصيد وزراعة وما دار في فلكها. 1- الإحسان إلى الحِرفة في القرآن الكريم: من الإحسان إلى الحرفة إحكام وإتقان الصّنعة أو المهنة أو الحرفة: قال سبحانه وتعالى في إتقانه لكلِّ شيءٍ خلقه: (صُنعَ اللهِ الذي أتقَنَ كُلَّ شَيءٍ) (النمل/ 88). وقال تعالى في بناء السماوات: (فَارْجِعِ البَصَرَ هَل تَرَى مِن فُطُورٍ) (المُلك: 3). وقال عزّوجل في صناعة داود (ع) للدّروع: (أَنِ اعمَلْ سابِغاتٍ وقَدِّرْ في السَّرد) (سبأ/ 11). السّابغات: الدّروع. وقدِّر في السَّرد: أي راعِ المقاييس المتناسبة في حلقات الدِّرع وطريقة نسجها، فالسَّرد في الأصل بمعنى حياكة ما يخشن ويغلظ، فالله تعالى أراد لداود (ع) أن يكون مثالاً يُحتذى لكلِّ الحرفيين والعُمّال المؤمنين في العالم، بمراعاة الإتقان والدِّقّة في العمل. وقال سبحانه في بناء ذي القرنين للسّدِّ بناءً مُحكماً: (فَمَا اسطاعُوا أن يَظهَرُوهُ وَما استَطَاعُوا لَهُ نَقْباً) (الكهف/ 97). وقال جلّ جلاله في صفة القرآن الكريم ذي الآيات المُحكمات: (كِتابٌ أُحكِمَتْ آياتُهُ ثُمّ فُصِّلَتْ مِن لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) (هود/ 1).   2- الإحسان إلى الحِرفة في الأحاديث والروايات: أ) الإشادة بأصحاب الحِرَف والثّناء على أعمالهم وتقدير مُنجزاتهم: قال رسول الله (ص): "إنّ الله تعالى يحبّ العبد المؤمن المحترف". وفي (جامع الأخبار) عن ابن عباس: "كان رسول الله (ص) إذا نظر إلى الرجل فأعجبه، قال: هل له حرفة؟ فإن قالوا لا، قال: سقطَ من عيني. قيل: وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال: لأنّ المؤمن إذا لم يكن له حرفة يعيش بدينه". ب) من الإحسان إلى الحرفة، المداومة عليها حتى يبدع صاحبها فيها وينتفع منها ويتألّق فيها: "سأل الإمام الصادق (ع) بعض أصحابه عمّا يتصرّف فيه (أي عن حرفته)، فقال: جُعلت فداك إنِّي كففتُ يدي عن التجارة، قال: لا تكفف عن التجارة، والتمس من فضل الله، إفتح بابكَ وابسط بساطك واسترزق ربّك". ت) إتقان العمل وإحكامه وإتيانه على أفضل صورة، من الإحسان إلى الحرفة. وقصّة النبي (ص) مع دفن (سعد بن معاذ) ذات دلالة عميقة في هذا المعنى، فقد نزل (ص) حتى لَحَدَه وسوّى اللَّبن عليه، وجعل يقول: ناولوني حجراً، ناولوني تراباً رطباً، يسدُّ به ما بين اللَّبن، فلمّا أن فرغَ وحثا التراب عليه وسوّى قبره، قال (ص): "إنِّي لأعلم أنّه سيبلى، ويصل البلى إليه، ولكنّ الله يحبّ عبداً إذا عملَ عملاً أحكمه". فإذا كان هذا في بناء قبر، فكيف في بناء دار أو مدرسة أو مشفى أو صرح علمي؟   3- الإحسان إلى الحِرفة في الأدب: يقول المَثَل الفرنسي: "الجمال في البساطة". ويقول المَثَل الألماني: "ببطء، لكن بثقةٍ يبني الطائرُ عشّه". وفي فرنسا يقولون أيضاً: "لا تحاول الطيران قبل أن تملك الأجنحة". ويقول الألمان كذلك: "العِنَب المقطوف قبل أوانه، لن يصنع ولا حتى خلاً جيِّداً". وأمّا الصينيون، فيقولون: "التأنِّي أسهل من التكرار". ومن الأمثال الأمريكية: "عليكَ أن تقيس سبع مرّات قبل أن تقصّ مرّة واحدة". ويقول (جبران خليل جبران): "السلاحف أكثر خبرة بالطُّرق من الأرانب". وقال (أوسكار وايلد): "الفنّ الرائع هو الذي تسيرُ فيه يدُ الفنّان ورأسه وقلبه معاً". وقال (رالف والدو ايمرسون): "التجديد الدائم هو مقياس الإستحقاق في كلِّ عملٍ فنِّي". وقال (فولتير): "الفنون إخوة، وكلّ فن يُلقي ضوءاً على الفنِّ الآخر". وقال (فولتير) أيضاً: "العمل يقتل أبكر أعداء الإنسان: الملل والشرّ والفقر". وفي الأمثال الكردية: "مَنْ يريد اللؤلؤ، عليه أن يغطس إلى أعماق البحر". وفي الأمثال الروسية: "مَنْ يُطارد أرنبين، لن يُمسِك شيئاً". وقيل: "العمل المُتقَن يمتدح نفسه". ويقول (فكتور هوجو): "ليسَ هناكَ مهنة تافهة، بل هناك أشخاص تافهون". ويقول (ريكاردو): "مَنْ يعمل بيديه يُسمّى (عاملاً)، ومَنْ يعمل بيديه وعقله (صاحب مهنة)، ومَنْ يعمل بيديه وعقله وقلبه فهو (فنّان)". وكان (نابليون) يقول: "الجنديّ الذي لا يطمح بأن يُصبح جنرالاً، هو جندي فاشل". أمّا (أديسون)، فكان يقول: "العبقرية هي 1% وحي (إلهام)، و99% عرق". وفي بريطانيا، يقول الإنكليز: "على كلِّ شخصٍ أن يُجذِّف بالمجاذيف التي يملكها". وفي إيطاليا، يُعلِّمون أبناءهم الحكمة التالية: "على الشخص أن يتعلّم الإبحار في جميع الإتجاهات". يقول الشاعر: وللزنبور والبازي جميعاً لدى الطيرانِ أجنحةٌ وخفقُ ولكن بينَ ما يصطادٌ بازٌ وما يصطادهُ الزنبورُ فرقُ ومن أروع ما قيلَ في صاحب الصّنعة: "دامت المجاعةُ سبعَ سنين، ولكنها لم تأتِ صاحبَ الصّنعة".   4- برنامج الإحسان إلى الحِرفة: 1- يكفي الإحسان لصاحب المهنة أو الحرفة أنّه محبوب عند الله تعالى الذي يحبّ للإنسان أن يأكل من كدِّ وكسب يده، ويحبّ من العامل إذا عملَ أن يُحسِن ويُتقِن عمله. 2- أمّا الإحسان إلى الحرفة ذاتها، فيتطلّب أُموراً ثلاثة: 1- تعلّمها جيِّداً، 2- المواظبة والاستمرار عليها، 3- التعامل معها بحبٍّ. فمقدار ما تبذله من التعلُّم في إجادة حرفة، سينعكس إحساناً عليها في مستقبل الأيام، والمداومة عليها – كما ألمحنا – تُساعد على إتقانها والتفنن فيها. وأمّا التعامل بحبٍّ مع المهنة، فهو الذي يُحقِّق الإبداع والتجديد فيها.

ارسال التعليق

Top