إنّ تقوى الله تعالى عامل مهم لتزكية النفس وتهذيبها، ويترتب عليها آثار مهمة في الدنيا والآخرة، يقول تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) (الحجرات/ 13).
وقبل أن نتوسَّع في الحديث عن التقوى لابدّ أن نوضح مفهوم التقوى ومعناها.
- تعريف التقوى:
يمكن تعريف التقوى بأنها: قوة داخلية وقدرة نفسية تمتلك من خلالها النفس القدرة على إطاعة الأوامر الإلهية وعلى مقاومة ميولها وأهوائها، ومنشؤها: الخوف من الله، وأثرها:
تجنُّب معصيته وسخطه، وهي تساعد الإنسان على تجنَّب حبائل الشيطان وإغراء الدنيا.
يقول الإمام علي (ع): "اعلموا عباد الله أنّ التقوى دار حصن عزيز، والفجور دار حصن ذليل، لا يمنع أهله، ولا يحرز من لجأ إليه، ألا وبالتقوى تقطع حمة الخطايا".
- جزاء التقوى في الآخرة:
للتقوى نتائج أخروية جليلة جدّاً منها: الأجر العظيم، قال تعالى: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ) (آل عمران/ 172).
ومنها: إن من يتقي الله لا يتسرب الحزن إلى قلبه في الآخرة ولا يخاف عليه، قال تعالى: (فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (الأعراف/ 35).
ومنها: إنّ التقوى جزاؤها الجنة وهي دليل الفوز، يقول تعالى: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ) (الطور/ 17).
وعن الامام زين العابدين (ع): "شرف كل عمل بالتقوى، وفاز من فاز من المتقين، قال الله تبارك وتعالى: (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا) (النبأ/ 31).
- نتائج التقوى في الدنيا:
إنّ لتقوى الله تعالى نتائج عديدة في الدنيا من المفيد أن نشير إلى بعضها، منها: أنها تحفز الإنسان على الأخلاق الحسنة ولا شكّ أنّ الأخلاق لها أثرها في الدنيا كما في الآخرة. عن الامام علي (ع): "التقوى رئيس الأخلاق".
ومنها: أنّ التقوى تبعث الرزق، وتمكن الإنسان من تجاوز العقبات والأزمات، والتغلب على مشاكل الحياة، يقول تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) (الطلاق/ 2-3)، ويقول تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) (الطلاق/ 4).
وورد عن أمير المؤمنين (ع) ما يوضح ذلك: "فمن أخذ بالتقوى عزبت عنه الشدائد بعد دنوِّها واحلولت له الأمور بعد مرارتها، وانفرجت عنه الأمواج بعد تراكمها، وأسهلت له الصعاب بعد انصابها".
- التقوى هدف تشريع الأحكام:
يستفاد من القرآن الكريم أن تقوى الله عزّ وجلّ قيمة أخلاقية أصيلة وانها الهدف لتشريع الأحكام، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة/ 21).
فالهدف من عبادة الله تعالى الوصول إلى التقوى كما أنّ العبادة يمكن أن تكون تعبيراً عن هذه التقوى، وفي آية أخرى: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الألْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة/ 179)، حيث بيّنت أنّ الهدف من القصاص هو التقوى.
- التقوى والبصيرة:
يستفاد من عدة آيات وروايات أن تقوى الله تمنح الإنسان بصيرة تمكّنه من معرفة الحق لإتباعه، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا) (الأنفال/ 29).
إنّ التقوى تداوي القلب وتهبه البصيرة فيستطيع عندها أن يشخّص سبيل سعادته وأن يتجنب سبل المهالك، يقول أمير المؤمنين (ع): "فإن تقوى الله دواءُ داء قلوبكم وبصرُ عمى أفئدتكم".
إنّ أهواء النفس يمكن أن تشوش على العقل رؤيته ومن هنا يأتي دور التقوى في علاج ذلك الخلل، فالتقوى هي من يكبح جماح الشهوات فيستعيد العقل قدرته على الرؤية.
- التقوى والحرية:
إنّ الإسلام لا يرى في التقوى تقييداً للحرية، بل على العكس من ذلك يرى أنها هي التي تمنح الإنسان حريته من شهواته وغرائزه، يقول أمير المؤمنين (ع): "فإن تقوى الله مفتاح سداد، وذخيرة معاد، وعتق من كل ملكة، ونجاة من كل هلكة".
- التقوى ودورها في صحة البدن:
قد ثبت وجود علاقة بين نفس الإنسان وبدنه وإن كلا منهما يؤثر بنحو ما على الآخر، ولهذا فإن بعض الأمراض البدنية والنفسية قد تنشأ من الأخلاق السيئة كالحسد والحقد والغضب والطمع والتكبر وحب الذات والغرور.. فالتقوى واجتناب الأمور السيئة لها تأثير مهم وأساسي في علاج الأمراض الجسدية والنفسية، وهي تساعد على تأمين سلامة الإنسان من هذه الأمراض.
يقول أمير المؤمنين (ع): "فإنّ تقوى الله... شفاء مرض أجسادكم وصلاح فساد صدوركم، وطهور دنس أنفسكم".
ارسال التعليق