هل مُحبّو رش ملح الطعام على الطعام في أمان؟ وهل صحيح أنّ قليلاً منه يفيد وينفع وكثيراً منه يضر ويسيء؟ وماذا عن كلّ الأخبار التي تسري عن منافع استخدام الملح الطبيعي؟
أخبار كثيرة تروى في عالمنا عن مآثر ومخاطر ملح الطعام على الإنسان، بعضها غير صحيحة ومضاف إليها كثير من (الملح والبهار)! فماذا في قصته؟
هو مادة أساسية في المنازل، ومكون حيوي ضروري في كلّ سوائل الجسم حتى في الدم، وفي حال شعرت أعضاء جسم الإنسان بأنّ نسبته تتراجع فإنّ الكليتين تسارعان إلى شفط كلّ الأملاح الموجودة في البول، كما أنّ غدد التعرُّق قادرة على أن تحتفظ به نحو عام، مشكلة ما يشبه بنك الملح في الجسم الذي إذا افتقر إليه وجب ضخه به، من أجل الحفاظ على التوازن المائي فيه. إذن هو مادة ضرورية جداً في جسم الإنسان وفي استخداماته فلماذا كلّ التنبيهات التي تصدر تباعاً عن وجوب الانتباه كثيراً عند استخدامه؟
تغيير العادات:
إشارات الإنذار والتنبيه صدرت بعد أن بدأت عاداتنا وأطباقنا الغذائية في الشرق تتشبه بتلك العادات الغربية، حيث الوجبات السريعة (فاست فود) والمأكولات المعلبة والمحفوظة، مما رفع مخزون الملح في أجسامنا والنسب الجديدة في المفاهيم الطبية تعادل: خطر!
في كلّ حال، أجسامنا قادرة على أن تستمد ما تحتاج إليه من أملاح طبيعية عبر الأكل الطبيعي، ونحن قادرون بالتالي على أن نعيش حياة صحّية متوازنة جداً من دون أن نضطر إلى إضافة الملح الصناعي إلى غذائنا اليومي. وثمة دراسة حددت حاجات الإنسان اليومية منه بنسبة ثلاثة غرامات، أي ما يعادل 1200 ملليغرام من الصوديوم، لنحيا حياة صحية سليمة.
الصوديوم:
ثمة سؤال يجول في رؤوس الكثيرين وهم يختارون المواد الغذائية غير المملحة، وهو: هل ملح الطعام هو نفسه الصوديوم؟
كثيرون يخلطون بين الاثنين، علماً بأنّ الملح ليس معناه في المطلق صوديوم، بل هو يتشكّل من نسبة 40% صوديوم و60% كلوريد الصوديوم. ومعلوم أنّ فرط الصوديوم في الدم يؤدي إلى فقدان الجسم للسوائل وإلى الشعور بالعطش الشديد وإلى إعياء وتعب وحتى إلى غيبوبة. وملح الطعام هو المصدر الذي يمول الجسم بعنصر الصوديوم الضروري من أجل نشاط الجسم من دون المبالغة طبعاً في الحصول عليه. في كلّ حال، هناك في كلّ ملعقة صغيرة من الملح نحو 2300 ملليغرام من الصوديوم.
ضغط الدم:
ماذا عن تأثير تناول الملح في مرضى ارتفاع ضغط الدم؟
يعاني أكثر من مليار إنسان على وجه هذه الأرض مرض ارتفاع ضغط الدم الذي يصيب واحداً من كلّ أربعة بالغين ويؤدي إلى موت أكثر من سبعة ملايين إنسان سنوياً. ونحو عشرين إلى ثلاثين في المئة من مرضى ارتفاع ضغط الدم لا يسيطرون عليه.
أرقام ونسب مرعبة. فهل هو مسؤول عن هذه الكارثة الصحّية؟ الأرقام تشكل أفضل إجابة: زاد استهلاك ملح الطعام من 1ر0 في اليوم إلى نسبة تتراوح بين تسعة واثني عشر غراماً يومياً. علماً بأنّ نسبة ستة غرامات فقط كافية لزيادة إمكانية حدوث الذبحة القلبية بنحو 24%. هذا لا يعني طبعاً أنّ ارتفاع نسبته في الجسم وحده هو سبب حدوث الذبحة القلبية؛ لكن كثرته تمنع الجسم من التخلص منه عبر التبول فتحتفظ به الكليتان، مما يعيق سلامة عمل الأعضاء ويسبب احتباس السوائل فيرتفع ضغط الدم.
حواس الجسم كلّها تتأثر هي أيضاً بفرط الملح في الجسم وقد يسبب هذا التهاب الأغشية المخاطية للمعدة والأوردة والشرايين وتعب الكبد والمجاري البولية ويؤدي إلى جفاف الجلد.
المأكولات المصنّعة:
هل علينا أن نرمي (المملحة) من البيت كي نتفادى أضرار هذه المادة؟
هذا لا يكفي طبعاً، لأنّ الأرقام تشير إلى أنّنا نحصل على أكثر من 75% منه من خلال عملية تصنيع ما نأكل، في حين لا تتجاوز الكمية الإضافية التي ننثرها مباشرة على أطباقنا اليومية نسبة 5% من إجمالي كمية الملح التي نحصل عليها يومياً. لذا، يكون الحل بالسؤال عن نسبة الملح والصوديوم فيما نشتري من أطباق جاهزة أو مصنعة.
ونبقى في أضراره لنشير إلى دراسة بيّنت أنّ 25% منه الذي يستهلكه اللبنانيون مثلاً مصدره الخبز والمعجنات. وفي دولة الإمارات العربية المتحدة الأمر ليس أفضل حالاً بكثير، حيث يستهلك الفرد أكثر من غرامين من كمية الصوديوم الموصى بها دولياً، كما أنّ متوسط كمية الملح التي يتناولها الفرد في الإمارات تبلغ 7 غرامات يومياً وهي نسبة عالية.
فوائد:
أن يكون الإفراط في تناول ملح الطعام مضراً، فهذا ليس معناه أن نلغي هذه المادة من مطابخنا لأنّ لها، في الطب الطبيعي، استخدامات شتى. ثمة مشاكل صحّية كثيرة توصف مادة الملح في علاجها مثل التهاب الحلق والأسنان ولسعات النحل ولدغات البعوض وآلام اللثة المبرحة وانسداد الأنف.
فلنأخذ مثلاً التهاب الحلق، الذي تعد المياه الدافئة مع ملعقة صغيرة منه أبسط علاج له، على أن يُصار إلى الغرغرة بهذه المياه المالحة مرّات يومياً، طوال ثلاثة أيام.
حروق الفم الشديدة التي يسببها تناول أطعمة ساخنة جداً يمكن مداواتها أيضاً عبر الغرغرة بالمياه المالحة، كما قد تخفف هذه الطريقة من حالات عض اللسان والتهابات اللثة، فهو كفيل بتخفيف الألم ومعالجة وجود خراج أو عدوى جرثومية. ويستخدم كعلاج مؤقت لآلام الأسنان وكقطرات في النف، خصوصاً في حالات انقطاع التنفس أثناء النوم من أجل الإبقاء على ممرات الأنف مفتوحة.
وفي حالات لدغات النحل مثلاً يوصى بصناعة عجينة بالماء والملح ووضعها في موقع اللدغة وتركها حتى تجف من أجل تخفيف الألم والحكاك.
استخدامات نافعة:
ينصح بتنظيف الأسماك باستخدام الملح مع الماء ثمّ فركها به، كما يصلح في إزالة الطعام المخبوز العالق على مقالي الطبخ أو لوحات تقديم الطعام، وذلك عبر رشه على الأواني ثمّ تركها دقائق قبل غسلها بالماء والصابون، كما ينصح بوضع حفنة منه في ثلاثة لترات من الماء وتنظيف البراد بها، بواسطة إسفنجة، من أجل إزالة الأبخرة الكيميائية والروائح العالقة.
تريدون الطهو لكنكم في عجلة من أمركم؟
لعلّ إضافة ملعقتين أو ثلاث من الملح إلى ماء الطهو المغلي تساعد في تسريع إنجاز الطبق؛ لكن يفترض التنبه إلى أنّ الإكثار من وضعه قبيل أن يغلي الماء يبطئ من هذه العملية، لذا وجب وضعه بعد أن يغلي الماء. هو حل للأيام التي تزدحم فيها روزنامتكم بالأعمال المطلوب إنجازها بسرعة وليس حلاً لكلّ الأيام، لأنّ ضرره، كما سبق أن قلنا، كثير إذا جرى الإفراط في استخدامه.
تعانون في تقشير البيض المسلوق؟
ضعوا ملعقة صغيرة من الملح في المياه الباردة التي تحتوي على البيض قبل وضعها على النار، مما يساعد على تقشيره بسهولة.
كما يصلح في اختبار إذا ما كانت البيضة طازجة أم لا، وذلك عبر وضع ملعقتين صغيرتين منه في كوب من الماء ووضع البيضة بلطف فيه، فإذا غرقت تكون طازجة وإذا طفت على سطح الماء تكون عتيقة. يصلح أيضاً في إبقاء الحليب طازجاً فترة أطول وذلك عبر إضافة القليل منه إلى علبة الحليب. كما أنّ من شأن لف قطعة الجبن الطازجة بمنديل مغمّس في الماء والملح قبل تخزينها في الثلاجة منع تكون العفن عليها.
استخدامات ملح الطعام قد تكون كثيرة؛ لكن نعود لنسأل: ماذا عنه في الطعام؟ فلتعتمدوه منذ الآن وصاعداً، إذا رغبتم في حياة صحّية أفضل.
قليل من الملح يحافظ على توازن الجسم، أمّا الإكثار منه فيطيح بالجسم.. والقرار يبقى لكم.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق