• ٧ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٥ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

إدارة المشاعر

د. ياسر عبدالكريم بكّار

إدارة المشاعر

◄السيطرة على العواطف وإدارتها بشكل جيد هي إحدى أقوى الخصال الشخصية التي قد يمتلكها أي فرد منا. إنها القدرة على ضبط النفس وكبح جماح الإفراط في الانفعال.. قال أرسطو:

 

أن يغضب أي إنسان فهذا أمر سهل.. لكن أن تغضب من الشخص المناسب، في الوقت المناسب، وإلى الحد المناسب، وللهدف المناسب، وبالأسلوب المناسب، فليس هذا أمراً سهلاً..

 

هذا الأمر كما سنرى لا ينطبق على الغضب فحسب، فالقدرة على التخفيف عن النفس والخروج من حالة الاكتئاب والضيق الخانق أو القلق المروّع أو الشعور بالخجل والإهانة وغير ذلك – القدرة على الخروج بأنفسنا من هذه المشاعر المزعجة إحدى المهارات النفسية المتقدمة.

 

لحظة من فضلك: ما الذي يدور في عقلك؟

(أحمد) طالب في كلية الهندسة. وممن يشار إليه بالبنان لما يتسم به من سرعة في حل أعقد المسائل الرياضية والهندسية. كانت أموره تسير على أفضل حال. عندما التقيته كان محبطاً للغاية: (اليوم الذي أكلف فيه بتقديم محاضرة هو أسوأ يوم في حياتي). حيث ترتعد فرائضه، ويدق قلبه بشدة،ويحس بالاختناق عند مجرد التفكير في أنّه سيقف أمام الطلاب محاضراً، والعيون تتركز عليه. يقول: (غالباً ما أتغيب ذلك اليوم، أدّعي المرض أو أختلق أي عذر.. رغم أني أعرف أنّ هذا سيضر في التقييم النهائي في تلك المادة.. لكن ماذا أفعل؟؟).

(فادية) امرأة في منتصف الستينات.. لم تستطع أن تحبس دمعتها وهي تتحدث عن أولادها الذين تزوجوا وغادروا المنزل.. كانت تشكو من صعوبة في النوم وضيق شديد في الصدر وحزن دائم: (لا أذكر متى كانت آخر مرة ضحكت فيها)، حتى أنها لم تعد تتناول الأدوية الخافضة للسكر بانتظام مما أدى إلى دخولها المتكرر إلى المستشفى. تقول: (لماذا يجب أن أعيش حياة ليس لها طعم؟ ليتني أموت وأرتاح!).

عندما تسأل (أحمد) و(فادية) عن سبب معاناتهما ستأتيك الإجابة: (تقديم محاضرة أمام الناس)، (زواج الأولاد والوحدة) على الترتيب.

بكلمة أخرى فنحن ننسب ما نشعر به كنتيجة للحدث الخارجي الذي مرّ بنا. انظر:

الأحداث أو الأوضاع الحالية أو تطورات الأمور: "خطأ في تقرير قدمته لرئيسك في العمل"

مشاعر أو استجابة أو سلوك: "قلق، انزعاج، هروب من رئيس العمل"

والواقع أننا نهمل مسبباً مهماً لشعورنا هذا، وهو.. أنفسنا. كيف ننظر إلى الحدث.. كيف نحلله؟.. ماذا نقول لأنفسنا؟ كيف نقيم أهمية الحدث بالنسبة لنا شخصياً؟ تذكر دائماً القاعدة الذهبية هنا والتي تقول:

"ليست الأحداث هي التي تصنع المشاعر. بل الطريقة التي ننظر بها إلى الأحداث هي التي تصنع مشاعرنا".

وضع عالم النفس الأمريكي ألبرت أليس Albert Ellis نموذجاً مبسطاً لتوضيح ذلك حيث:

أ) أحداث جارية.. "خطأ في تقرير قدمته لرئيسك في العمل".

ب) أفكارك ومعتقدات.. "لابدّ أني غبي حتى أخطئ مثل هذه الأخطاء، سينزعج المدير، سأفقد عملي".

ج) مشاعر وسلوك.. "حزن وانكفاء على النفس".

للوهلة الأولى، يبدو لنا أنّ الحدث (خطأ في التقرير) أدى بنا إلى الشعور بالحزن. أي أن (أ) أدى إلى (ج). والواقع أن شعورنا يمر بالخطوة (ب) أي بالطريقة التي ننظر بها إلى الحدث وكيف نحلله ونفسره وما نستنتجه من عواقب وآثار لهذا الحدث. وهذا ما يفسر اختلاف شعور مجموعة من الأشخاص نحو ذات الحدث. فالطرد من العمل لدى البعض كارثة: "لقد طردت من العمل.. أنا فاشل". وقد يكون لدى آخر فرصة: "لقد طردت من العمل.. لعلها فرصة لكي أجد عرضاً أفضل". ولدى ثالث شعور بالذنب "لقد طردت من العمل.. كم هو مشين.. لم أبذل ما بوسعي للحفاظ عليه".

أ) الأحداث أو الأوضاع الحالية أو تطورات الأمور "خطأ في تقرير قدمته لرئيسك في العمل".

ب) أفكار أو معتقدات "لابدّ أني غبي حتى أخطئ مثل هذه الأخطاء، سينزعج المدير، سأفقد عملي".

ج) مشاعر أو استجابة أو سلوك "قلق، انزعاج، هروب من رئيس العمل".

هل هذا يعني أنّ الأحداث ليس لها تأثير؟ لا أقصد هذا أبداً. فمن منا سوف لن يشعر بالحزن لو – لا سمح – توفي ولده وفلذة كبده؟ لكن الأسلوب الذي تنظر به إلى الحدث يحدد بشدة إلى أي حد ستتفاعل مع الحدث وما سيتركه من أثر في حياتك.

المهارة التي أريدك أن تتعلمها تكمن في القدرة على التحكم في الخطوة (ب). أي التحكم في النظر إلى الحدث، وإيجاد بدائل لتفسيره لكي تساعدك على تجاوزه. فمثلاً عندما تمر بشخص تعرفه دون أن يلقي عليك التحية، ستفكر: "لماذا لم يسلم؟ من يعتبر نفسه؟ هل فعلت شيئاً أساء له؟" وبدل ذلك يمكن أن تفكر: "لعله لم ينتبه لي؟ لا أذكر أني فعلت ما يسيء له".

حتى مع الحوادث المؤلمة يمكن أن نحمي أنفسنا من الشعور بالحزن عبر التسليم بقضاء الله وإرادته النافذة التي تعلو على كلّ حرص. نفكر: "هكذا أراد الله ربي وله ما أراد". تأمل هذه المقولة واقرأها باستمرار:

"أي شيء يمكن أن يسلب منك، ما عدا شيء واحد: قمة حرية الجنس البشري في القدرة على اختيار موقفهم من أي ظرف معيّن.. في القدرة على اختيار الطريق الخاص بهم".

مهما كانت الظروف والأحداث التي تمر عليك، يمكن أن تختار بنفسك الطريقة التي تتفاعل معها. الأحداث – سواءً في الماضي أو الحاضر – لا يمكن ان تفرض عليك أي شكل من المشاعر. مشاعرك رهن موقفك وطريقة تفكيرك نحوها. بمعنى آخر.. أنت تشعر كما تفكر.

 

لقد فهمت ما تريد قوله لكن كيف أبداً؟

سأستعين بالعالم مارتن سليجمان في كتابه (تعلم التفاؤل) لنجري سوية هذا التمرين الذي سيزيد من قدراتنا على تحديد الخطوة (ب):

1- (أ) يقطع أحدهم عليك الطريق أثناء قيادتك للسيارة

(ب) تعتقد .....................................................

(ج) تستشيط غضباً وتطلق بوق التنبيه بعنف.

 

2- (أ) فقدت صفقة سهلة.

(ب) تعتقد أنك مندوب مبيعات فاشل.

(ج) تشعر بـ ....................................................

 

3- (أ) انتقدك رئيسك.

(ب) تعتقد .......................................................

(ج) تظل مكتئباً طيلة اليوم.

 

4- (أ) انتقدك رئيسك.

(ب) تعتقد ........................................................

(ج) تشعر براحة لما حدث.

 

5- (أ) تطالبك زوجتك بأن تعود للمنزل مبكراً كلّ مساء.

(ب) تعتقد ........................................................

(ج) تشعر بالغضب والإحباط.

 

6- (أ) تطالبك زوجتك بأن تعود للمنزل مبكراً كلّ مساء.

(ب) تعتقد ..........................................................

(ج) ينتابك شعور بالحزن.

 

تخيل نفسك مندوب مبيعات في الثلاثة أمثلة التالية:

7- (أ) لم تحقق أيّة مقابلات طيلة الأسبوع.

(ب) تعتقد: "أنا لا أفعل شيئاً صحيحاً مطلقاً".

(ج) تشعر ............................................................

 

8- (أ) لم تحقق أيّة مقابلات طيلة الأسبوع.

(ب) تعتقد: "لقد حاولت ما في وسعي، ولكني جهزت عدداً من الأمور كمقدمة لعمل مكثف في الأسبوع القادم".

(ج) تشعر .............................................................

 

9- (أ) لم تحقق أيّة مقابلات طيلة الأسبوع.

(ب) تعتقد: "لقد منحني المدير صفقات خاسرة هذا الأسبوع".

(ج) تشعر .............................................................

إنّ الهدف من هذا التمرين هو التدريب على تحديد الخطوات الثلاثة لشعور ما: الحدث، وما تعتقده أو تحدّث به نفسك كتحليل للحدث، ومن ثمّ شعورك الناتج عن الحدث. فقد تسجل في التمرين الأوّل: (يا له من شخص طائش غير مبالٍ). وقد تسجل في التمرين الخامس: (إنها لا تقدر ضغط العمل الذي عليّ). وهكذا..

وبعد تحديد ما نعتقده أو ما يدور في عقولنا من حوار وتحليل حول الموقف.. يجب أن نبدأ بتغيير هذا المعتقد وإيجاد بديل عنه مقنع لنا ويمنحنا شعوراً مختلفاً:

في سبيل تغيير الطريقة التي نفكر بها نحو حدث ما، يقترح العلماء أن نلجأ إلى مناقشة وإثارة الأسئلة حول ما يدور في عقلنا تجاه الحدث (الخطوة ب). حيث نعامل الطريقة التي نرى فيها الحدث على أنها احتمالات بدل أن تكون حقائق قاطعة. وبالتالي الخاطئة. ولذا تحتاج عملية معارضة أفكارك، وتفنيدها، والبحث عن البديل عنها إلى قدر من التمرين والتمرس والصبر والمصابرة، لكن من يملكها فقد ملك نفسه.

 

المصدر: كتاب القرار في يديك

ارسال التعليق

Top