• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

اللعب والترويح في الأسرة

اللعب والترويح في الأسرة

يولد الطفل مزوداً بعده استعدادات وميول فطرية تدفعه لأن يسلك سلوكاً معيناً ليحقق أغراضاً خاصة في نفسه والحقيقة أنّ الأطفال يشتركون جميعاً في ذلك دون تباين محسوس بينهم، وإن كان لكلّ مرحلة من مراحل عمرهم ميول واستعدادات خاصة بهم وواجب الوالدين وأفراد الأسرة والمدرسة التعرف على تلك الميول والكشف عنها في وقت مبكر بغرض تهذيبها وتعديلها بحسب قيمتها للطفل والمجتمع، ذلك لأنّ الطفل إذا أشبع ميله ونفذت رغباته ونزعاته اعتباره قلق نفسي واضطراب وجداني يجعله عصبي المزاج ثائراً أنانياً منافقاً ملتوياً ضعيف الشخصية والكيان.

والحركة أشد الميول الفطرية ظهوراً وإبقاها أنها في النفس فالحركة هي التي تدفعه لاكتشاف البيئة التي يعيش فيها وتقليد ما فيها من إنسان وحيوان وغيرها.

 ويطلق اللعب عادة على كلّ أعمال الطفل لأنّه لا يتقيد فيه بمسؤولية كما يطلق الترويح على كلّ عمل يقوم به الفرد بحرّيته ومن تلقاء نفسه ويجد في متابعته لذة وسروراً.

واللعب والترويح ضوءان للحياة ويكملان مظاهرها ومقوماتها فالصغير يحتاج للفرصة التي يكون فيها فارساً أو جندياً أو طبيباً والصغيرة تسعى لأن تكون معلمة أو ممرضة أو طاهية.

والصبي والفتاة يحتاجان لمجموعة من الأقران تشاركهما اللعب والنشاط من أجل ذلك ينبغي أن يترك للطفل حرّية اللعب وأن يشجع على الحركة والابتكار وأن يساعد على التجربة واكتساب الخبرة.

ولكي تؤدي الأسرة واجبها إزاء تربية أطفالها ونحو رعاية أعضائها عن طريق اللعب والترويح ينبغي أن تفهم العوامل الثلاثة الآتية:

1-    طريقة الزيادة في اللعب والترويح.

2-    إعداد البيئة لهما.

3-    اختيار الأدوات المناسبة لهما.

فالأسرة يجب أن توفر لأبنائها جواً مشبعاً بالعطف والحرّية وأن تتيح لهم فرص اللعب داخل البيت وخارجه بشرط أن تنظم هذه الفرص وتهيئ لها الوسائل الصحيحة حتى لا تكون سبيلاً للعب أو أسلوباً في الإفساد أو طريقاً في قتل الوقت.

ورعاية الكبار للأبناء خلال اللعب أو اشتراكهم فيه شرط واجب لنجاح الفكرة في اللعب ولا يقصد بذلك التدخل في نوع اللعبة التي يختارونها أو الأداة التي يستخدمونها أو التشكيلات التي يرتضونها وإنما الغرض من الرعاية توجيه الطفل نحو سلوك أفضل وتعديل ميوله ونزاعاته بما يتلاءم والصفات التي يرتضيها المجتمع واكساب مهارات وخبرات دون فشل عامل الحرّية في لعبه.

 

مكان اللعب:

سواء أكان مكان اللعب تختاره الأسرة للأطفال داخل البيت أم خارجه فإنّه يجب أن تتوافر فيه النظافة أوّلاً، وأن يكون خالياً مما يعوق الحركة وأن ينسق ويجمل حتى يوحى بالتربية الجمالية والذوق السليم فإذا كان اللعب داخل البيت وجب على الأسرة أن تختار غرفة خاصة بالطفل يخصص جزء منها لنومه والجزء الآخر للعب، فإذا كان هذا غير ميسور بسبب ضيق مساحة البيت فينبغي أن يفصل جزء من غرفة بحاجز خشبي على شكل مربع أو مستطيل يمكن تحريكه ونقله ليسمح للطفل بنقل لعبه هنا وهناك كما يسمح له بالخروج والدخول.

كما ينبغي على الأُم أن تخرج بطفلها إلى الحدائق حيث الشمس والهواء والطاقة حيث يستطيع الجري والوثب والتعلق والشد والدفع مع رفاقه، وحيث يجد حفر الرمل وبرك الماء والأشجار لأنّها كلّها مشهيات اللعبة مشبعات لنزعاته وفوق ذلك لا يتسبب له منها أي ضرر ولا يخشى عليها من التلف، وتزود الملاعب في الحدائق عادة بالزلاقات والمراجيح ويشترط فيها كلّها أن تخلو من النتوء والبروز والقطوع والكسور، وأن تكون سهلة الحركة لا تحتاج من الطفل جهد شديد وأن تكون بارتفاع مناسب لا يخشى على الطفل منها.

 

اللعب ومراحل السن للأطفال:

من مبادئ اللعب والنشاط وأغراضه لمراحل السن المختلفة من 4-6 سنوات تتميز هذه المرحلة السنية يميل الطفل الشديد إلى اللعب الانفرادي والمتعطش إلى النشاط الجمالي الذي تستخدم فيه المجموعات العضلية الأساسية كذلك تظل صفات الطفولة واضحة في هذه المرحلة السنية وفي الوقت الذي يكون مدى انتباه الطفل قصيراً نوعاً، نلاحظ بوضوح قدرته الكبيرة على التخيل وحب الاستطلاع أما من ناحية العلاقات الاجتماعية فإنّ الطفل يظهر عادة القدرة على التعاون.

ومن بين أنواع النشاط الترويحي لهذه المرحلة السنية ألوان النشاط التمثيلي مثل تمثيل القصة وتقليد الحيوان.

كذلك تعتبر ألوان النشاط التوقيعي مثل المشي والجري والوثب والحجل بمصاحبة الموسيقى من الألوان الشائعة وبالإضافة إلى ذلك يفضل استخدام بعض ألوان الإيقاع الجسدي البسيطة مثل التصفيق أو استخدام فرقة إيقاع موسيقية.

 

من 7-10 سنوات:

في هذه المرحلة يكون البنون في العادة أطول قليلاً وأكثر وزناً من البنات ونجد في هذه المرحلة التعطش للعب المنشط مع مظاهر واضحة في نمو التوافق العضلي، وفي هذه المرحلة نلاحظ الرغبة في اللعب الجماعي حيث تصبح النزعة الانفرادية أقل وضوحاً كذلك يظهر التعطش لألعاب المغامرة، كذلك تعتبر الأشكال اليدوية التي تتضمن صنع نماذج الطائرات والقوارب وتماثيل الصلصال ونحت الصابون وصنع الطائرات الورقية وغير ذلك من المشروعات الإنشائية التي تعتبر من أنواع النشاط التي يقبل عليها الأطفال بشغف.

وأنّ القيم التي يحصل عليها الطفل من وراء اشتراكه في نشاط الأشغال كثيرة فهو يخفف من التوتر العصبي ويهدئ النفس ويجدد النشاط.

ونشاط الأشغال يجعل الصغير يشعر بأهميته وكيانه واحترامه لنفسه مما له أثر كبير في شخصيته وتحقيق حياته الناجحة.

وليس هناك فرد مهم تكن ظروفه أو مرحلة عمره ألا وتفيده ممارسة بعض الأشغال اليدوية في تحقيق حياة أمنع أو أكثر قيمة وهناك بعض نواحي الأشغال مثل الحياكة وأعمال الصلصال يمكن أن يمارسها الأفراد في مختلف مراحل العمر.

أشغال الخشب – النحت – البلاستيك – أشغال الجلد – الحفر – أشغال المعادن – أشغال الأبرة الكانفان – أشغال الورق – والورق المقوي.

 

الترويح بين البيت والمدرسة:

كانت المدرسة مصدر إشعاع للبيئة تتناول جميع مظاهره في البيئة حتى ينتفع منها ويستفاد من جهودها تعد أبناءها ويصبح تدريب النشئ على استثمار وقت الفراغ وتكوين الترويح من أوّل مهامها وعلى هذا الأساس تصبح اتجاهاتها التربوية العامة في شغل أوقات الفراغ عملية موحدة مستمرة تبدأ في البيت من المرحلة الأولى للطفولة.

وتيسيراً لمهمة البيت كي يحقق هذا الهدف تعني المدرسة الحديثة بتخفيف العبء عن البيت تخفيفاً مقبولاً ولكنها لا تستطيع أن تتحمل العبء كلّه على أكتافها.

ففي ميدان الترويح تأخذ المدرسة مسؤولية تيسير الوسائل التي تتيح الفرص الكافية لأبنائها من الأطفال الشباب لتنظيم أوقات فراغهم في أيام دراستهم وخلال عطلاتهم، وهي لكي تقرب الشقة بينها وبين البيت تعمل على أن تكون شركة بين معلميها وبين الآباء فأنشأت مجلس الآباء والمعلمين لتنسيق الجهود والخدمات التربوية الموجهة للأطفال في المدرسة والبيت، وحددت رسالتها كمركز إشعاع للبيئة وأهلها فهي تفتح أبوابها في أوقات الدراسة وغيرها حتى تتيح للأهالي التعرف على وسائلها في تنشئة أبنائهم وتشركهم فيما يقوم به المعلمون وتلاميذهم من وسائل للنشاط الترويحي بمختلف ألوانه، ونرى أنّ التلميذ وسيلة صالحة لنقل أساليب المدرسة إلى البيت إذا أحسن البيت استقبالها، وكان عاملاً مساعداً ومنشطاً لتشجيع الطفل على ممارسة ألوان من نشاطه وهواياته في بيته.

فالهواية التي يحبها الطفل والتي عملت المدرسة على اكتشاف قدراته فيها وميوله نحوها ومساعدته على ممارستها ينبغي ألا نقتصر على المدرسة بل يجب أن تمتد إلى البيت ويمكنه ممارستها في نزهته ورحلته ومخيمه، كما ينبغي أن يستقبل البيت هواية الطفل استقبالاً مشجعاً وأن يساعده بمختلف الوسائل تنشيط قدراته واستثمارها.

والطفل الذي يمارس هوايته في بيته ومدرسته طفل لا يخدم نفسه فقط وإنما يخدم أسرته في اتجاهات شتى، والطفل الذي يفخر بهوايته يعتز بنفسه وبيته وهو من ناحية ثانية يصنع بطريقة مباشرة أوغير مباشرة ما تعلمه من هواية ونشاط تحت تصرف الآخرين من أعضاء أسرته، وقد يكون سبباً في نشر هوايته بين غيره من صغار الأسرة وكبارها بل قد يكون عاملاً من عوامل إفادة أهله بوسيلة من وسائل الارتزاق ورفع المستوى الاقتصادي، والأمثلة على ذلك كثيرة فالأندية الريفية التي بدأت تنتشر في العالم تكون من أهم وسائل رفع المستوى الاقتصادي للأسرة التي تهتم بالصناعات الزراعية وتربية الدواجن والماشية وغيرها.

وأصبح التلميذ عنصراً فعّالاً في هذه الخدمات الاقتصادية يدرب عليها منذ نعومة أظفاره.

وهكذا نجد أنّ الترويح أبواباً متعددة يدخل منها إلى البيت والأسرة والمجتمع وأنّ له شأنه في تربية النشئ وفي حياة الجماعة فالأسرة في إيمانها بفلسفة الترويح وأهميته وعنايتها وأساليبه وشتى ظروفه وعملها على تهذيبه وتدعيمه إنما تبني به صرحاً في الرفاهية وترسي به دعائم الاستقرار فيها.

 

الكاتب: د. طارق عبد الرؤوف

المصدر: كتاب الشباب واستثمار وقت الفراغ

ارسال التعليق

Top