من المعروف أنّ التلفزيون قد غدا الوسيلة الإعلامية المسيطرة في سائر المجتمعات بحيث غدا يمثل القوة الاجتماعية الرئيسية في المجتمع، وذلك دون أن يدرك أحدنا كيف حدث ذلك. يرى عدد من كبار أساتذة الإعلام والاتصالات الإعلامية في العالم أنّ التلفزيون قد عمد، وبشكل عميق جدّاً على تغيير المسار الذي يسلكه الطفل منذ نشأته الأولى وحتى يغدو كائناً إنسانياً واعياً.
والآباء يظهرون اليوم قلقاً متزايداً تجاه انعكاسات مشاهدة برامج التلفزيون على الأبناء ويشاركهم في هذا الشعور عدد لا بأس به من الأخصائيين في علم الاجتماع وعلم النفس وغيرهم من المدرسين وأصحاب الاختصاصات التربوية الأخرى.
وقد قام عدد من الباحثين خلال السنوات الـ(25) الماضية بإعداد سلسلة مطولة من الأبحاث والدراسات الموضوعية والتجارب العلمية الهادفة إلى تحليل طبيعة التأثيرات التي تتركها مشاهدة التلفزيون على الأبناء.
وقد أعطت نتائج آخر هذه الأبحاث دلالات واضحة على طبيعة هذه التأثيرات وكانت بعض هذه الدلالات مقلقة جدّاً بحيث تدعو إلى ضرورة قيام الآباء بلعب أدوارهم الهامة في تخفيف الآثار السلبية التي تخلفها مشاهدة التلفزيون بالإضافة إلى أن بإمكانهم الارتقاء بالجوانب الإيجابية لهذه التأثيرات إلى الحد الذي يعطي الأبناء ثماراً مفيدة.
ويمكن إدراك حجم تأثير التلفزيون على الحياة الاجتماعية للأبناء بصورة توضح إذا ما أخذنا بعين الاعتبار مجمل الإحصائيات المثيرة التي تم التوصل إليها بهذا الخصوص.
إنّ المعدل الوسطي للساعات التي يمضيها الطفل الأميركي – الذي يتراوح عمره بين الثانية والحادية عشرة – أمام الشاشة الصغيرة هو 26 ساعة أسبوعياً أي بمعدل ثلاث ساعات ونصف يومياً وهذا المعدل ليس نهائياً طبعاً فهناك أبناء يقضون في ذلك ساعات أطول أو أقصر من غيرهم.
وتشير هذه الإحصائيات أيضاً إلى أنّ الأطفال الذين لم يدخلوا المدرسة بعد يمضون أمام شاشة التلفزيون ثلث ساعات اليقظة وهكذا نرى بأنّه، في الوقت الذي ينهي فيه الأبناء مراحل دراستهم الثانوية، يكون الواحد منهم قد أمضى ما يعادل 20.500 ساعة أمام الشاشة الصغيرة، مقابل 16.500 ساعة في المدرسة.
ولهذا فإنّ الأبحاث الجارية بهذا الخصوص في الوقت الحاضر تشير إلى وجود أمرين أساسيين يجب أن يؤخذا بعين الاعتبار مقدار الوقت الذي يمضيه الطفل أمام شاشة التلفزيون – بغض النظر عن نوعية البرامج "ومضمون" ما يشاهده الطفل، يتصفان بتأثيرات هامة جدّاً، سلباً وإيجاباً، على سلوكية الطفل.
والجانب الأوّل المتعلق "بمقدار الوقت" يأخذ أهمية بالغة تنبع من حقيقة أن قضاء ساعات مطولة أمام الشاشة الصغيرة يلهي الطفل عن الاستفادة من أوقات الفراغ، لمتابعة نشاطاته الضرورية والمفيدة له كما ويأخذ هذا الجانب أهميته الزائدة من ارتباطه بتأثيرات الجانب الثاني "وهو المحتوى على سلوكيات الطفل وطبيعة تصرفاته المقبلة".
وقد ركز الباحثون والدارسون لأمور البرامج التلفزيونية بشكل خاص على دراسة أهمية "المحتوى" الذي يعرضه التلفزيون وتناولوا على الأخص جانب "العنف" في الحدث التلفزيوني وتأثير هذا الجانب الهام على سلوكيات الطفل حاضراً ومستقبلاً.
وفي هذه الدراسة يقوم الباحث بطرح جملة من الأسئلة الجوهرية ومن بينها السؤال التالي: "هل مشاهدة أحداث العنف في التلفزيون تجعل الأطفال يتصفون بالعدائية في لهوهم، وأنهم يصبحون أكثر قابلية لإلحاق الأذى بالغير؟".
في العام 1972 أوضحت نتائج إحدى الدراسات الموضوعية المتعلقة بالعنف بأنّ العنف التلفزيوني المصور يسهم إلى حد كبير في التأثير على طبيعة الطفل وخلق روح دعائية عنده. والدراسات الحاضرة تؤكد أيضاً صحة هذه النتيجة وتركز من جانبها على اكتشاف سبب تميز بعض الأطفال بهذا النوع من العدائية دون البعض الآخر منهم.
وقد وجد الباحثون من ناحية ثانية أن مقدار الوقت الذي يمضيه الطفل في مشاهدة التلفزيون يمثل أحد العوامل الرئيسية التي تميز بعض الأطفال بظاهرة العدائية، فالأطفال الذين يمضون ساعات أطول من غيرهم أمام الشاشة الصغيرة يتجهون في النهاية إلى التركيز على برامج العنف ومتابعة مجرياتها بدقة محسوسة، وهذه الظاهرة قد لا تنطبق، كما لوحظ على الأطفال الذين يقضون أقل من ساعتين يومياً أمام التلفزيون. ولا شكّ بأن ذلك يعود إلى تفشي أحداث العنف في معظم برامج التلفزيون وحتى في برامج الأطفال ذاتها.
"والعنف في هذا الخصوص يعني أيّة ظاهرة لاستخدام القوة الجسدية لإجبار شخص ما على القيام بعمل معين دون أن تكون له الإرادة بحيث يسفر الأمر عن قتل أو إلحاق ضرر معين بالغير" وقد لوحظ أنّ المعدل الوسطي لما يشاهده الطفل من أحداث الموت المصورة على شاشة التلفزيون بلغ (13000) حادثة وهذا كله قبل أن ينهي الابن دراسته الثانوية.
المصدر: كتاب الطفل في الإعلام لـ مروة عبدالجبار
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق