إنّ الحقائق الإنسانية تفرض نفسها على العموم، لأنّها قضايا فطرية مشاعة بين الناس، وانطلاقاً من هذه الحقيقة فإنّ الحسين (عليه السلام) قمة من قمم الإنسانية الشامخة، وعملاق من عمالقة البطولة والفداء. فالفكر يتعثر وينهزم، واليراع يتلكأ ويقف أمام إنسان فذّ كبير كالإمام الحسين، وأمام وجود هائل من التألق والإشراق، كوجود الحسين... وأمام إيمان حيّ نابض، كإيمان الحسين... وأمام سموّ شامخ عملاق كسمو الحسين... وأمام حياة زاهرة بالفيض والعطاء كحياة الحسين.. إنّنا لا يمكن أن نلج آفاق العظمة عند الإمام الحسين (عليه السلام) إلّا بمقدار ما نملك من بُعد في التصوّر، وانكشاف في الرؤية، وسموّ في الروح والذات. كانت تضحيته (عليه السلام) ذروة الفيض والعطاء.. فيوم في دنيا البطولات خالد.. ذاك يوم الحسين (عليه السلام)، ويوم في دنيا الأحزان خالد.. ذاك يوم الطفوف.. إنّها مأساة التاريخ تكاثفت عوامل الضلال على مرّ الزمن فبلغت ذروتها يوم كربلاء، وكان ضحيتها بنو الزهراء.. كان الحسين (عليه السلام) أعظم قربان تشهده مذابح الفضيلة.. دم جرى على رمال كربلاء، فكان نبضاً دافقاً، يملأ قلب الزمن، وروحاً نقية تنسكب في عروق الحياة.. وقبساً مشرقاً في كلّ ضمير.
إنّ من نتائج ثورة الحسين (عليه السلام) وتأثيراتها إحياء القيم التي جاء بها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من التطلّع للعدالة وتوثيق أواصر المحبّة والتعاون ورفض قيم البداوة من الخشونة والغلظة وإعادة نمط الحياة الحضرية التي عُرفت بالتماسك الاجتماعي والولاء للأُمّة والوطن وترك العصبية. وهذه الآثار ما تزال تعمل عملها إلى اليوم، فمن بين التأثيرات المهمّة لعاشوراء هو إعادة طرح القيم في مجالس الحسين من كلّ عام، والتأكيد من جديد على المودة والإيثار والشهادة، والتحررية، والتديُّن، مما يجعل من عاشوراء والمراسم التي تقام خلال شهري محرم وصفر مصدراً دائماً لضخّ القيم والمبادئ الإسلامية الرفيعة في نفوس الجيل الجديد، جيل الشباب.. ففي كلّ عام يسمع الملايين أصداء صوت الحسين (عليه السلام) الهاتف، «إن لم يكن لكُم دين فكونوا أحراراً في دنياكُم».
إنّ ثورة أبي الأحرار أعظم ثورة عملاقة سجّلها التاريخ، فقد أيقضت المسلمين من سباتهم وحطّمت عنه سياج الذلّ والعبودية فانطلقت الثورات يتبع بعضها بعضاً في معظم أنحاء العالم الإسلامي وهي تحمل شعار الثورة الحسينية وتطالب بعزّتها وكرامتها وأمنها ورخائها الذي فقدته أيام الحكم الأُموي، حتى أطاحت به وقلعت جذوره، كلّ ذلك ببركة ثورة أبي الأحرار، التي أوضح الله بها الكتاب وجعلها عبرة لأُولي الألباب. وبقي زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار يومض في ليالي الخوف والإرهاب وفي دياجير الظلمات والضلالة ليكون مصباحاً للهدى يلتمسه الغافلون والحيارى والذابين عن دينهم ورسالتهم.
إنّ من أهم الخصائص المميزة لنهضة الحسين (عليه السلام)، هي النظرة الفاحصة والثاقبة التي امتاز بها، وامتلاكه البصيرة بالأشياء، لقد علَّمنا الحسين (عليه السلام)، أنّ الثورة من أجل الأمور الكبيرة تحتاج إلى نفوس كبيرة لقيادتها، نفوس قادرة على النهوض والتضحية في كلّ عصر وزمان، نفوس صامدة راسخة رسوخ الجبال الرواسي، تستمد عزمها من مدرسة الحسين الذي قال للمستبكرين «والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر إقرار العبيد»، هكذا يكون التفاوض مع الأعداء، لذلك نرى حاملي شعلة الحقّ لا يرتابون ولا يترددون كما يتردد المنبطحون على ملذات الدنيا وأموالها ومناصبها الزائلة، فما كان لله فهو المتصل وما كان لغير الله فهو المنقطع والمنفصل.مقالات ذات صلة
ارسال التعليق