يقول تعالى في كتابه المجيد: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران/ 104). في هذه الآية الكريمة وفي غيرها من الآيات والأحاديث، يؤكد الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) مسألة فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وكلمة المعروف تشمل كلّ ما أراد الله للإنسان أن يفعله لأنّ فيه مصلحته، فرداً كان أو جماعةً، والمنكر هو كلّ ما أراد الله له أن يتركه لأنّ فيه مفسدة لحياته الخاصّة والعامة.
إنّ فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة من الفرائض، تماماً كما هي الصلاة والصوم والحجّ والزكاة، وله شروط تنفيذية كما هي شروط العبادات الأخرى، وقد أراد الله تعالى من خلال هذه الفريضة الحركية الاجتماعية، أن يجعل المجتمع الإسلامي بشكل عام رقيباً على نفسه، وذلك بأن تنطلق جماعة في الأمّة من أجل أن تراقب كلّ الواقع في سلبياته وإيجابياته، ليدرسوا مدى التزام المجتمع بما أمر الله تعالى به وبما نهى عنه، ليتحركوا في عملية تغييرٍ للواقع إذا انحرف عن الخطِّ المستقيم، وذلك بأن يبادروا إلى القيام بمختلف الأساليب من أجل أن يصحِّحوا المسيرة ويؤكدوا الخطّ المستقيم.
إنّ فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هي من الفرائض الشاملة للحياة الاجتماعية كلِّها، والتي تعالج كلِّ قضايا الانحراف في المجتمع، وعلى جميع المستويات، وهذا ما يفرض على الأمّة أن تأخذ بثقافة المعروف، فتكون لها الثقافة في معرفة الحلال والحرام، ومعرفة الانحراف والاستقامة، لأنّ من شروط القيام بهذه الفريضة، أن يكون الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر عارفاً بهما، وهو ما يفرض على المجتمع أن يأخذ بثقافة الإسلام كلّه، ليعرف كيف يأخذ بأسباب تغيير الواقع.
إنّ كثيراً مما نعانيه في واقعنا، وما نواجهه من فساد وطغيان وظلم وانعدام للبركات والخيرات، يعود إلى أنّنا تركنا مسؤوليّتنا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى كلِّ المستويات؛ الفردية والاجتماعية و... حين يتخلّى الناس عن مسؤوليّة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، سيزداد الانحراف لفقدان الموجّه والمرشد والرادع، فيفقد كلّ شيء استقامته، وتفقد الموازين سلامتها، ولا يكون إلاّ العوج الذي لا يستقيم، وكلّ ذلك مدعاة إلى سلب الرحمة منهم، وإنزال العقاب بالجميع، المنحرفين والمتقاعسين عن الدعوة والإصلاح معاً، والعقاب يمثل الوخزة الموقظة التي تعيد الناس إلى الاستقامة.
قال رسول الله: «والذي نفس محمّد بيده، لتأمرنّ بالمعروف، ولتنهونّ عن المنكر، أو ليوشكنّ الله أن يبعث عليكم عقاباً من عنده، ثم لتدعنّه فلا يستجاب لكم». ويكون العذاب شاملاً لا يختصّ بالمرتكبين للمنكر فقط، بل يعمّ غيرهم ممّن لم يرتكبه؛ لأنّهم سكتوا عن تغييره. قال رسول الله: «إنّ الله عزّوجلّ لا يعذّب العامّة بعمل الخاصّة، حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم، وهم قادرون على أن ينكروه فلا ينكروه، فإذا فعلوا ذلك، عذّب الله العامّة والخاصّة». والعقاب الإلهي له مظاهر وألوان مختلفة، فقد يكون بنزع البركات، أو بالآفات السماوية، أو إذاقة البعض بأس البعض الآخر. قال تعالى: (قُلْ هُوَ القَادِرُ عَلى أن يَبعثَ عَليكُم عَذَابا مِّن فَوقِكُم أو مِن تَحتِ أرجُلِكُم أو يَلبِسَكُم شِيعاً وَيُذِيقَ بَعضَكُم بَأس بَعضٍ) (الأنعام/ 65).
من آثار ونتائج التخلي عن مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، شمول الناس اللّعنة الالهية. قال أمير المؤمنين: «وإنّ عندكم الأمثال من بأس الله وقوارعه، وأيّامه ووقائعه، فلا تستبطئوا وعيده جهلاً بأخذه، وتهاوناً ببطشه، ويأساً من بأسه، فإنّ الله سبحانه لم يلعن القرن الماضي بين أيديكم، إلاّ لتركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلعن الله السفهاء لركوب المعاصي، والحلماء لترك التناهي...». واللعنة إن نزلت على المجتمع، جعلته يعيش بعيداً عن اللطف والرأفة والرحمة، فلا يؤيدهم الله تعالى، ولا يثبّتهم، ولا يؤنسهم، ويدعهم لوحدهم دون إسناد، ليواجهوا مصيرهم بأنفسهم؛ حيث القلق والاضطراب والأزمات النفسية، بسبب الانحراف والظلم والاعتداء وفقدان الطمأنينة.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق