• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

العبر والدروس المستوحاة من واقعة كربلاء

عمار كاظم

العبر والدروس المستوحاة من واقعة كربلاء

لم تكن الحركة التي قادها الحسين (ع)، وجسدها على أرض الواقع بطف كربلاء، عملاً ذا أفق ضيق وغايات محددة، وإنما حركة رسالية وثورة إنسانية شاملة، فالعبر والدروس من واقعة كربلاء لا يمكن حصرها وأهميتها تكمن في أنها دروس نتعلمها من الإمام الحسين (ع) الإمام المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى – لأنّ ما يقال عن علم النبي (ص) يقال أيضاً للأئمة المعصومين: أن نثأثر لله وحده، لا لانتسابات الدنيا، وانتماءاتها – وعصبياتها، وصيحاتها، وجاهلياتها. وأن نعطي الدم من أجل أن يبقى الإسلام وحده، لا أن تبقى نظريات الإنسان، وحزبياته، وشعاراته، وزيفه. أن ننتصر للدين، وللمبدأ، وللعقيدة، لا للعصبيات، والقوميات، والعناوين التي صاغتها ضلالات الإنسان، وأهواءه. وأن نحمل شعار القرآن.

أن نرفض الباطل، والزيف، والفساد، والضلال، وأن نرفض كلّ ألوان الانحراف الأخلاقي، والثقافي، والاجتماعي، والسياسي. أن نكون الصرخة التي تواجه الظلم والظالمين، وتواجه البغي والباغين، وتواجه الطغيان والطاغين، وتواجه الاستكبار والمستكبرين. أن نكون المبدئيين الأقوياء الذين لا يساومون، ولا يتنازلون، ولا يسترخون، كقوله تعالى: (ُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) (الفتح/ 29). ولا تعني المبدئية والصلاة أن لا نعيش المرونة والانفتاح والشفّافية في حواراتنا مع الآخرين.

والإنسان المؤمن في حالات التصدي والمواجهة والصراع يجب أن يكون شديداً وحدِّياً وصارماً في موقفه مع أعداء الإسلام، وأعداء الحقّ. نعم، حينما يحاور الآخرين، ويدعو ويبلِّغ يجب أن يكون مَرِناً منفتحاً شفّافاً. وهنا نؤكد أنّ المُرونة والشفافيّة في حواراتنا مع الآخرين لا تعني الاسترخاء في طرح الأفكار والقناعات العقيدية والمذهبية والثقافية والسياسية. ولا تعني الاسترخاء في طرح الحُجَج والبراهين، ولا تعني المساومة والتنازل. ولا تعني المجاملة الفكرية، والمجاملة السياسية، أو المجاملة الاجتماعية. ولا تعني السكوت عن مواجهة الأفكار التي تتنافى مع المبادئ والقيم التي نؤمن بها. علينا أن نعيش الصمود والثبات في مواجهة كلّ التحديات، التحديات الفكرية، والثقافية، والنفسية، والاجتماعية، والسياسية والإعلامية.

الحسينيون الحقيقيون لا يعرفون الانهزام، والتراجع والتخاذل، والضعف والخور، فهم الثابتون الصامدون، الذين يملكون عُنفُوَان العقيدة، وصلابة الإيمان، وإباء المبدأ، وشموخ الموقف. أن نحمل شعار الجهاد والشهادة، وأن نكون المجاهدين الصادقين في سبيل الله، نجاهد بالكلمة، ونجاهد بالمال، ونجاهد بالروح.

فلسنا حسينين إذا لم نحرك المالَ في خط الدعوة، والخير، والجهاد. ولسنا حسينيين إذا لم نحمل الأرواح على الأكُفِّ، وإذا لم نكن عُشّاقاً للشهادة، وإذا لم نسترخص الدم من أجل المبدأ والعقيدة. فالسائرون في خط الحسين (ع) هم الذين يحملون شعار الحسين (ع): "لا أرى الموت إلّا سعادة والحياة مع الظالمين إلّا بَرَما".

والسائرون على خط الحسين (ع) هم الذين يحملون شعار علي الأكبر (ع): "لا نُبالي أن نموتَ مُحقِّينَ".

والسائرون على خط الحسين (ع) هم الذين يحملون شعار العباس (ع): "والله إن قطعتُموا يَميني إني أُحامي أبداً عن ديني وعَن إمام صادق اليَقين"، والسائرون على خط الحسين (ع) هم الذين يحملون شعار القاسم بن الحسن (عليهما السلام): "المَوتُ فيكَ يا عَم أحلَى مِنَ العَسَل". أن نكون المتدينين الحقيقين، وأن نكون الذين يملكون بصيرة الدين والعقيدة، وبصيرة الإيمان، والمبدأ، ونقاوة الانتماء، والالتزام، وأن لا نكون النفعيّينن المتاجرين بالدين، والمساومين على حساب المبدأ. الإمام الحسين (ع) أوقف حَجَّه، وأعلن الثورة على يزيد، وذلك ليقول للمسلمين: أيّ قِيمَة لطوافٍ حولَ بيت الله مادام الناس يطفون حول قصور الطغاة والظالمين.

وأيّ قيمة لذكرٍ وتلاوةٍ وعبادة إذا كان الناس يمجِّدون ويعظِّمون ويؤلِّهون الجبابرة والفراعنة. أن نكون إمّا الحسينيين الذين يعطون الدم من أجل المبدأ، أو نكون الزينبيين الذين يحملون صوت الحسين (ع). فالحسين (ع) وشهداء كربلاء فجَّروا الثورة في يوم عاشوراء، وكان وقود هذه الثورة دماءهم الطاهرة.

كما رفض الإمام الحسين (ع) قول: إمّا معنا وإمّا مع الإرهاب. نحن لسنا معكم ولا مع الإرهاب، نحن مع الإنسانيّة، نحن مع المقاومة، نحن مع الانتفاضة، نحن مع كلّ الذين يعملون من أجل حرية الإنسان، إننا نستطيع أن نحوّل شعارات عاشوراء إلى شعاراتٍ إنسانيّة عندما نتقن صناعتها وإخراجها، لأنّ الحسين (ع) كان للإنسان كلّه.

حركة الحسين (ع) يفترض أنّ المسألة أخلاق وإباء للضيم، وعزّة، وكرامة؛ فالإنسان عندما يكون عزيزاً أبياً لا يمكن أن يخضع للذل، والحسين (ع) تعرّض لمحاولات الإذلال والامتهان فأبت نفسه الزكية الأبية الذل والخضوع، ومن ثمّ انتهت الأمور إلى أن تقع مأساة قتل الحسين (ع) وأهل بيته وأصحابه وسبي عيالاته إلى غير ذلك من المآسي المعروفة في واقعة كربلاء... هذا تفسير يُقدّم للهدف من حركة الحسين (ع). أيّها الأحبّة، لنخرج من عاشوراء في انطلاقة وعي يجمع الوعي الثقافي والسياسي والجهادي والاجتماعي، وخطأ أن نقول إننا يمكن أن نجزّئ الأمور، حيث لا فصل بين الجهاد والسياسة والثقافة وما إلى ذلك. فالجهاد حركة في السياسة، والسياسة حركة في المبدأ، والمبدأ حركة في رضا الله، لا ازدواجية، إنّ المسألة هي أنّ الثقافة تعطي الوعي للسياسة، تعطي الوعي للجهاد، والجهاد يعطي الوعي والحركة للواقع، تعالوا لنتكامل، تعالوا لنتعاون، تعالوا لنتوحّد، المرحلة تفرض علينا أن نجمّد كلّ خلافاتنا، لا أن نثير الخلافات والهوامش والجزئيّات، تعالوا لنطوّر نقاط القوّة عندنا، ولا نستغرق في نقاط الضّعف، وأن نرفض كلّ الكلمات التي لا معنى لها، وأن نرفض كلّ اللّغو الذي لا علاقة للواقع به.

تعليقات

  • 2022-06-06

    سلمان حميد

    بوركتَ وبارك الله بك وبهذه المفردات التي تعيد للانسان الفطن حساباته اذا لبس نظارات التعصب الاعمى وصار يضع الحسين في مساحة ضيقة لا تتسع الا لحزبه او اتجاهه او حتى لقبيلته وعشيرته نحن بحاجه الى ثورة نفسيه عارمه تحطم قيود التعصب والانطلاق الى حرية الانتماء الى الثورة الحسينية الحقيقية كما جمعت انصار الحسين من فئات مختلفة في العمر والانتماء . اسال الله لكم التوفيق من خالص قلبي

ارسال التعليق

Top