◄إنّ حياة الواحد منا تقع بين نقطتين: النقطة الأولى: هي نقطة البداية التي تتمثل في لحظة ميلاده. والثانية: هي نقطة النهاية التي تتمثل في لحظة وفاته. ومن الممكن أن نحسب عمر الشخص الزمني بطرح تاريخ ميلاده من تاريخ وفاته، أو بطرح تاريخ ميلاده من تاريخ اليوم الذي يعيش فيه الآن. ويمكن تقدير العمر الزمني بالسنوات والأشهر والأيام.
ولكن العمر الزمني يختلف عن العمر الاجتماعي. فعمرك ككائن حي أطول بكثير من عمرك كعضو في مجتمع. فإذا أردت أن تحدد عمرك الاجتماعي حتى الآن، فعليك بحذف جميع الساعات التي نمتها طوال حياتك من عمرك الزمني.
ومن جهة أخرى فإنّ عمرك الاجتماعي أطول بكثير من عمرك الثقافي. ونحن نقصد بالثقافة كلّ معرفة يكتسبها عقلك، وكلّ عاطفة يكتسبها وجدانك، وكلّ مهارة تكتسبها يداك. فإذا أردت أن تعرف طول عمرك الثقافي فيجب أن تستبعد من عمرك الاجتماعي جميع الساعات التي لم تستفد خلالها خبرة جديدة.
ومعنى هذا أنّ هناك ثلاث دوائر متداخلة في حياتك. فهناك دائرة كبيرة بداخلها دائرة متوسطة، وفي داخل تلك الدائرة المتوسطة دائرة صغيرة. والدائرة الكبيرة ترمز لعمرك الزمني. والدائرة المتوسطة ترمز لعمرك الاجتماعي. أما الدائرة الصغيرة فترمز لعمرك الثقافي.
والواقع أنّ عظمة الشخصية تقاس بهذه الدائرة الصغيرة. فلقد نجد شخصاً عمره الزمني ستون سنة، ولكن عمره الثقافي لا يزيد عن خمس سنوات. ولقد نجد شخصاً آخر عمره الزمني ثلاثون عاماً فقط، ولكن عمره الثقافي يزيد عن عشر سنوات.
ويخطئ مَن يظن أنّ العمر الثقافي يتمثل في عدد الساعات التي يقضيها المرء بالمدرسة والجامعة. فكثير من الطلبة لا يهضمون ما يتعلمونه بالمدارس والجامعات. فالسنوات التي يقضونها في الدراسة بها لا تدخل في حساب أعمارهم الثقافية. وهناك من جهة أخرى أشخاص يحصلون على ثقافتهم من الحياة ومن الواقع الاجتماعي.
ويخطئ أيضاً الشاب الذي يظن أنّ الثقافة محصورة في الكتب. فالكتب ليس سوى مصدر واحد من مصادر الثقافة. فأنت لا تستطيع أن تتعلم العزف على إحدى الآلات الموسيقية بقراءة مئات الكتب عن الموسيقى. وكذا الحال بالنسبة لتعلم الكتابة على الآلة الكاتبة أو قيادة السيارة أو العوم أو لعب كرة القدم. فالكتب لا تعلمنا كيف نعمل أو كيف نعزف أو كيف نلعب، بل تعلمنا كيف نفكر فحسب. والكتب لا تعلمنا أيضاً كيف نتعامل مع الناس وكيف نقيم علاقات اجتماعية بيننا وبينهم.
وإذا أردت أن يكون عمرك الثقافي طويلاً، فعليك بزيادة الوقت الذي تقضيه في تحصيل الخبرات الجديدة. ولكن يجب أن تنظر إلى الثقافة بمعناها الواسع. فهناك ثقافة عقلية تتعلق بالفكر واللغة. وهناك ثقافة وجدانية تتعلق بالإحساس بالجمال والقيم الخلقية. وهناك ثقافة تتعلق بالمهارات التي تكتسبها يداك بالتمرن. وهناك ثقافة اجتماعية تتعلق بأصول العلاقات الاجتماعية بينك وبين غيرك. وهناك أخيراً ثقافة روحية تتعلق بالأحاسيس الدينية.
وعليك الآن أن تتأمل حياتك لتحكم على نفسك. اسأل نفسك عن النسبة بين عمرك الزمني وبين عمرك الثقافي. فإذا وجدت أنّ عمرك الزمني أكبر بكثير من عمرك الثقافي فعليك بالمسارعة إلى تحسين وضعك. ها أنت ما تزال في ربيع عمرك، فلا تضيع إذن وقتك سدى. إنّ كلّ يوم يمرّ محسوب عليك، فإذا أضفت خبرات جديدة إلى شخصيتك فإنّك تكون بذلك قد دعمت عمرك الثقافي.
ولكن حذار من الأخذ دون العطاء. فالثقافة لا تكون ذات قيمة إلّا إذا أفدت بها غيرك. إذن وظّف ثقافتك في مواقف الحياة المتباينة، فيشعر المستفيدون من ثقافتك بقيمتك، كما تحس أنت بقيمة نفسك.►
المصدر: كتاب شخصيتك بين يديك
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق