النية، هي التصميم والعزم على الإتيان بأمر وإجماع النفس على فعله بعد تصوره والتصديق بفائدته، والنية حالة نفسانية وجدانية يعبر عنها بالهمة والعزم والإرادة والقصد، ولا يمكن أن يخلو عمل اختياري لإنسان من نية بأي حالٍ من الأحوال. فالنية هي ميزان قبول الأعمال والمعيار في قبولها كونها خالصة لله، فالإخلاص لله هو غاية الدين، يقول تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّن أَسلَمَ وَجهَهُ لِلَّه وَهُوَ مُحسِنٌ) (النساء/ 125). ويقول أمير المؤمنين (ع): «الإخلاص غاية الدين»، وهو أفضل العبادات، بل هو روح العبودية لله وجوهرها، كما قال الإمام الصادق (ع): «أفضل العبادة الإخلاص».
والنِّية هي المُحرِّك الأوَّل للعمل، هي الدافع والمُحرِّض، وعلى مدى صلاحها وسلامتها يكون العمل صالحاً وسليماً، ولذلك جاء في التوجيه النبويّ: «إنّما الأعمال بالنِّيات»، و«نيّة المرء خَيرٌ من عمله».
إنّ تنزيه العمل وتصفيته وتنقيته من شوائب الرِّياء، أصعب من العمل نفسه، ولذلك قيل: «الإخلاص في العمل أشدّ من العمل».. إنّ روح العمل هي المهمّة الأُولى.. نيّته الصالحة.. دافعه المُخلص.. یقول الرسول (ص): «إنّ لکلّ حقٍّ حقيقة، وما بلغ عبدٌ حقيقة الإخلاص حتى لا يُحب أن يحُمد على شيء من عمل الله». فحقيقة الإخلاص تخليص نية الإنسان وعمله من شائبة غير الله تعالى. وهو لا يتحقق إلّا عند مَن كان محباً لله عزّوجلّ بحيث لا يبقى لحبّ الدنيا وحبّ النفس والتعلق بشهواتها وملذاتها وجاهها ومناصبها في قلبه قرار.
فالمخلص هو الذي لا يطلب من وراء أي عملٍ يقوم به سوى الله تعالى، ولا يكون له مقصدٌ أو دافعٌ سوى رضاه، والتقرّب إليه، نيل الزلفى لديه. بحيث تكون نيته متوجهةً دائماً إلى الله، فلا تطلب إلّا رضاه ووجهه الكريم، حبّاً به، وطمعاً في فضله وإحسانه، لأنّ العمل الخالص هو الذي لا تريد أن يمدحك عليه أحدٌ سوى الله تعالى.
إنّ أعمال الناس مرهونة بالنيات، وإذا لم تكن النوايا خالصة، فهذا يعني أنّه يشوبها الشرك والله تعالى لا يغفر أن يشرك به: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) (النساء/ 116)، لأنّ الشرك ظلمٌ عظيمٌ، والله تعالى لم يأمر إلّا بالإخلاص كما في قوله: (وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) (البينة/ 4)، وهو بالأصل لا يقبل إلّا ما كان له خالصاً، كما قال الإمام الصادق (ع): «قال الله عزّوجلّ: أنا خير شريك من أشرك معي غيري في عمل عمله لم أقبله إلّا ما كان لي خالصاً». فما لم يكن العمل مقبولاً عند الله فلا قيمة له على الإطلاق.
وعليه فإنّ الإخلاص أساس الدين ودعامته التي يرتكز عليها في عملية بناء الإنسان على خطّ الإيمان بالله والتوجّه الدائم إليه وتوحيده، كما أّنّه رأس الفضائل، والمناط في قبول الأعمال وصحّتها، فلا قيمة لعملٍ لا إخلاص معه، كما قال أمير المؤمنين (ع): «مَن لم يصحب الإخلاص عمله لم يقبل»، وقال (ع): «طوبى لمن أخلص لله العبادة والدعاء ولم يشغل قلبه بما ترى عيناه ولم ينسَ ذكر الله بما تسمع أذناه ولم يحزن صدره بما أعطي غيره».
وأخيراً، يتحقق الإخلاص من خلال إزالة المانع الذي يحول دون تحقّقه، وهذا المانع هو هوى النفس. وأيضاً من خلال اليقين، لأنّ الإخلاص لله هو وليد الإيمان واليقين العميق بالمعارف الإلهية. الخطوة الأولى نحو اليقين الصحيح تكمن بالعلم والمعرفة بأُسس هذا الدين ومبادئه ومعارفه الإلهية، ومن دون هذه المعرفة يبقى يقين الإنسان ضعيفاً ومتزلزلاً.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق