◄مرت الوحدة الإسلامية بمراحل مختلفة، خلال كلّ التأريخ الماضي بدءاً من البعثة النبوية وانتهاءً بالمرحلة التي نعيشها.
المرحلة الأولى: هي مرحلة التأكيد على الوحدة الإسلامية وتجذيرها في نفوس المسلمين، وتبيان النتائج السلبية التي تترتب على الاختلاف، والوسائل الكفيلة بمنع حصوله وقد حفلت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة لتثبيت هذه المرحلة وذلك من خلال:
1- اعتبار المسلمين أنّهم أُمّة واحدة وأنّ كيانهم هو الكيان الواحد رغم تنوعاتهم القبلية والعشائرية واختلاف اللون والجنس والوطن وهذا ما أشار إليه الله سبحانه بقوله: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء/ 92)، وزاد في التأكيد على هذه الفكرة ما ورد في الآية الأخرى (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) (المؤمنون/ 52)، وقد حرص النبيّ (ص) على هذه الفكرة مِنْ خلال تكرارها في أحاديثه وتوضيح معالمها الحقيقية، والتنبه إلى الأخطار المحدقة بها، والتحديات التي تواجهها، فأشار في البداية إلى أنّ أُمته تنسب إليه فكراً وقيادة كلونه معبراً عن ذلك بعبارة "أُمّتي" وأبرَزَ أنّ هذه الأُمّة ستبقى على خير ما دامت تسير في هذا الطريق: "ولا تزال أُمّتي بخير ما تحابوا وتوادوا وأدوا الأمانة واجتنبوا الحرام وقروا الضيف، وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة..." "ولا تزال هذه الأُمّة تحت يد الله ما لم يداهن قراؤها أمراءها، ولم ينزل علماؤها فجارها وما لم يهن خيارها أشرارها، فإذا فعلوا ذلك رفع الله عنهم يده ثمّ سلط عليهم جبابرتهم.." وكان يحذّر أُمّته عندما يقول: "توشك الأُمم أن تتداعى عليكم تداعي الأكلة على قصعها، قال قائل منهم أمن قلّة يا رسول الله يومئذٍ؟ قال (ص): "بل أنتم كثير ولكنكم كغثاء السيل ولينزعن الله مِن عدوكم المهابة منكم، وليقذف في قلوبكم الوهن. قال قائل يا رسول الله: وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت". وكان يقول: "إنما أخاف على أُمّتي الضلالة بعد الفرقة ومضلات الفتن وشهوة البطن والفرج". وقد وَثق رسول الله (ص) هذا التعبير في الوثيقة التأريخية التي نصها للمسلمين بعد هجرته من مكة إلى المدينة ووصوله إلى محلة بني سلمة حيث أقام أوّل صلاة جمعة فقال: "هذا كتاب مِن محمّد النبيّ بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن بعثهم أنّهم أُمّة واحدة من دون الناس"، ثمّ ذكر فيها أسماء القبائل من المهاجرين والأنصار وبيّن واجباتهم تجاه بعضهم البعض، واعتبر خلفاء الأنصار من يهود بني عوف أو المؤمنين من الأُمّة الواحدة هذه لاعتبارات سياسية ودعا الجميع إلى العدل والقسط ورعاية الذمة الإسلامية، والرجوع إذا اختلفوا إلى الله ورسوله.
2- الحرص على الأخوة الإسلامية التي تمثل تأسيساً للجوّ العاطفي الذي ينبغي أن يحكم المسلمين تجاه بعضهم البعض، حتى يكون تلاقيهم على القاعدة الفكرية الواحدة والقيادة الواحدة والعاطفة الواحدة التي تشدّ كيانهم وتؤازره، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك بقوله: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الحجرات/ 10)، حيث دعا إلى تثبيت مشاعر الأخوة بين المسلمين وإصلاحها كلما تعرضت لهزات داخلية، والحرص الدائم على التذكير بها، وينبغي أن تتحرك في الحاضر من خلال قواعدها المتينة المبنية على حبّ الله: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها) (آل عمران/ 103). وقد أبرز النبيّ هذه الصورة الناصعة للإخوة الإسلامية من خلال المؤاخاة التي أجراها بين المهاجرين والأنصار كما روى ذلك ابن هاشم في سيرته حين قال: "خاطب النبيّ (ص) المسلمين يومئذٍ بالقول: تآخوا في الله أخوين" ويذكر ابن هشام أنّ هذه المؤاخاة كانت ذات آثار عديدة تمثلت حتى بالإرث، وقد حرص المتآخون على مراعاة حقوق هذا الميثاق الأخوي إلى نهاية أعمارهم. وحرص النبيّ (ص) على تركيز هذا البعد العاطفي للعلاقة بين المسلمين في حجة الوداع قبل أن يغادر الدنيا عندما وقف بينهم خطيباً في منى قائلاً لهم: "أيّها الناس إنما المؤمنون إخوة، ولا يحلّ مال امرئ حلة إلّا عن طيب نفسه. ألا هل بلغت الله فاشهد". ثمّ قال لهم: "لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض". ثمّ قال لهم (ص): "إنّ دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا وشهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلغت اللّهمّ فاشهد".
3- التحذير من الاختلاف الذي يؤدي إلى التمزق والتخريب وهذا ما أشار إليه الله سبحانه وتعالى بقوله: (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ * فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) (المؤمنون/ 52-53)، (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (آل عمران/ 105)، (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) (الأنفال/ 46).
4- إيجاد الوسائل الكفيلة بمنع استحكام أي اختلاف، يحصل في الساحة الفكرية أو الساحة العملية وذلك مِن خلال الرجوع إلى العلماء الذين يساهمون بنزع أي فتيل يفجر الخلافات ويعملون على إنهائها بأسرع وقت ممكن. وهذا ما أشار إليه سبحانه وتعالى بقوله: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (النحل/ 43). كما قد يتم ذلك مِن خلال الردّ إلى الله والرسول كما أشار إلى ذلك الله سبحانه: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا) (النساء/ 59)، وكذلك الردّ إلى أولي الأمر في القضايا العملية: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلا) (النساء/ 83).►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق