• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

لوحة الزمن

عبد الحميد محمّد الدرويش

لوحة الزمن

◄الحياةُ لوحةٌ متقنة جميلة، صنعها بارئُ نسماتها، فهي لوحةٌ لم تخطّها يدُ آدميٍّ، بل شارك في صناعة مرافقها، بما قدّمه من تطوّراتٍ وصناعاتٍ، يفشل بدون إعانة خالقه له.

فهل:

·      تذكر وقت دخولك في هذه الحياة وتنفُّسك هواءها ونسماتها؟

·      تذكر أوّل صوتٍ أطلقت رصاصته في هذه الحياة؟

·      تذكر أنّك كنت وليداً، ثمّ فتىً، ثمّ شاباً، ثمّ شيخاً كهلاً؟

·      ماذا أضفت في لوحة هذا الزمن الذي عشته وتعيشه؟

·      هل أضفت لهذه اللوحة الفتّانة آثاراً تحمل ذكرياتك وطموحاتك وآمالك؟

·      هل أثريت الدنيا بمخترَعٍ أو إنجازٍ أو قرارٍ كان له صدّى بالغ الأهمية في هذه الحياة؟

لأنّك سوف تُسأل غداً:

·      ماذا أثريت لوحة الزمن الذي عشته وشاركت في صناعته؟

·      ماذا قدّمت من حسناتٍ ومَبَرّاتٍ في هذه اللّوحة التي عشت دقائقها وثوانيها؟

·      أين هي آثارك التي سوف تحتفل بها روحك وأبناؤك وأحفادك.

·      لوحة الزمن، لوحة تُعطي الفرصةَ في الحياة لمرّة واحدة، فإمّا فلاحُ الرّاشدين، وإمّا عثرات النائمين.

·      هذه اللوحة لا تحتمل أن تنام نوماً ثقيلاً، ولا أن تجلس جلوساً طويلاً.

·      إنّما هذه اللوحة صفحة بيضاء، وسجلٌّ فارغٌ عليك ملؤه.

ألا تعلم أنّه:

إذا كانتِ النّفُوسُ كِباراً        تَعِبَتْ في مُرادِها الأجسادُ

وانظر إلى ما قاله ابن الجوزي: وللهِ أقوامٌ ما رضوا من الفضائل إلّا بتحصيل جميعها، فهم يبالغون في كلِّ علمٍ، ويجتهدون في كلِّ عملٍ، ويثابرون على كلِّ فضيلةٍ، فإذا ضعفت أبدانهم عن بعض ذلك، قامت النيّات نائبةً وهم لها سابقون.

وأكملُ أحوالهم إعراضُهم عن أعمالهم، فهم يحتقرونها مع التّمام، ويعتذرون من التقصير، ومنهم من يزيد على هذا فيتشاغل بالشُّكر على التوفيق لذلك، ومنهم من لا يرى ما عمل أصلاً؛ لأنّه يرى عمله ونفسه لسيّده.

وانظر حال أهل الكسل والشّره والشهوات، فلأن ارتدوا بعاجل الراحة، لقد أوجبت ما يزيدون على كلّ تعبٍ من الأسف والحسرة، ومن تلمُّس صبر يوسف، وعجلة ماعز في التوبة، بانَ لهُ الفرق، وفهم الربح من الخسران.

ولقد تأمّلت نيل الدُّرِّ من البحر فرأيته بعد معاناة الشدائد، ومن تفكّر فيما ذكرته مثلاً بانت له أمثال، فالموفَّق من إذا تلمّح قصر الموسم المعمول فيه، وامتداد زمان الجزاء الذي لا آخر له، انتهب حتى اللحظة، وزاحم على كلّ فضيلة، فإنّها إذا فاتت فلا وجه لاستدراكها.

فاجعل حافزكَ لدفع عمليّة تشكيل لوحة الزمن الهمّة العالية المتوقِّدة، واكتب عليها: الحياةُ مرّةٌ واحدة في هذه الدنيا، وأعمالٌ جليلة يذكرها من بعدنا؛ لأنّ قيمة كلّ امرئٍ ما يُحسن من عمل.►

 

المصدر: كتاب إصنع حياتك

ارسال التعليق

Top