هاشم الرسولي
*كل إنسان يطلب السعادة ولكن الكائن البشري لا يستطيع أن يبلغ ما يصبو إليه دون هداية الأنبياء. * الماديات لا تروي عطش الإنسان للسعادة ولا تحقق هدفه الملتهب في نفسه * رَفَضَ الإسلام الرهبانية وطلب من الإنسان المسلم أن يعيش في خضم الحياة الاجتماعية، ولكن ليقود الأحداث ويسيطر على مسيرة الحياة، لا أن ينقاد ويخضع للشهوات والمغريات المادية * لا يمكن أن تتحقق النفس المطمئنة في وجود الإنسان إلا في ظل الإيمان بالله والاستسلام المطلق له سبحانه.
- كلنا يطلب السعادة:
كل إنسان يسعى للوصول إلى هدف يجد فيه مبتغاه: ويحقق عنده مآربه، وتطمئن إليه نفسه، ويرتاح فيه باله، ويسمى هذا الهدف "السعادة".
ومع أن الاتجاه إلى هذا الهدف نزعة فطرية في الإنسان، إلا أنه لا يستطيع – بغير هداية الأنبياء – أن يسلك الطريق الذي يوصله إلى هذا الهدف.
وفي عالمنا اليوم – حيث تطورت العلوم والفنون وبلغت التجارب البشرية مرحلة متطورة جداً من تقدمها – لم يتوصل العلماء والمفكرون إلى تحديد واضح لمفهوم السعادة ولسبيل تحقيقها، حتى أن أحد علماء الغرب نقل 288 رأياً في السعادة وفي سبيل تحقيقها بينها اختلاف كبير.
سلكت المجموعات البشرية على مرّ التاريخ سبلاً شتى للوصول إلى هذه الغاية المنشودة... بعضها سلك طريق الثروة ظاناً أنها السبيل، وبعضها انغمس في ملذات الجنس ليجد فيها مبتغاه، وثمة مجموعات أدركت عقم السبل المادية في الوصول إلى السعادة، فسلكت سبلاً معنوية، وكانت أقرب إلى خط الأنبياء، غير انها لم تهتد السبيل بفكرها وعقلها كما ينبغي، إذ أن العقل البشري قاصر عن فهم كل أبعاد الطريق، والطبيعة الإنسانية تدفع حتى بالسالكين سبل المعنويات إلى الإفراط والتفريط إن لم يكن لها من الدين الإلهي هاد ومرشد.
- ماديات الحياة لا تحقق السعادة:
هذه حقيقة تجربية، فهمها كل السائرين على طريق الماديات.. على طريق الاستزادة من الثروة.. وعلى طريق الاستزادة من اللذات الجنسية.. وعلى طريق الشهرة والمنصب والمقام. فللماديات بريق يخال الإنسان أنها تحقق سعادته، وما إن يصلها حتى تتبدد أحلامه ويجد ما وصل إليه سراباً، وما أجمل التعبير القرآني في هذا المجال حيث يقول:
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ * أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ) (النور/ 39-40).
ومن هنا اتجهت التربية الإسلامية إلى تحرير الإنسان من الانشداد إلى الماديات، وإلى النهي عن اتخاذ اللذائذ المادية هدفاً وعن اعتبارها هي السعادة المنشودة.
روي عن رسول الله (ص) أنه قال:
"الرغبة في الدنيا تكثر الهم والحزن، والزهد في الدنيا يريح القلب والبدن".
وكما ذكرنا فإن الحقيقة التي تذكرها هذه النصوص تجريبية مشهودة على مر التاريخ وفي عصرنا الراهن، وإليك الآن أسبابها:
- السبب الأول:
من يبتغ سعادته في مال الدنيا ومتاعها يشب في نفسه حرص الاستزادة من هذا المال والمتاع، فلا يشبع ولا يستقر، بل يعيش في قلق واضطراب.
وروي عن رسول الله (ص) انه قال: "الرغبة في الدنيا تكثر الهم والحزن، والزهد في الدنيا يريح القلب والبدن".
وعن أمير المؤمنين علي (ع) قال: "ثمرة الزهد الراحة".
وفي نصائح لقمان لابنه جاء:
"... ولا تكن في هذه الدنيا بمنزلة شاة وقعت في زرع أخضر، فأكلت حتى سمنت فكان حتفها عند سمنها، ولكن اجعل الدنيا بمنزلة قنطرة على نهر جزت عليها وتركتها ولم ترجع إليها آخر الدهر".
- السبب الثاني:
إن مال الدنيا ومتاعها زائد متغير، لذلك فالمتعلقون بالدنيا مهددون دائماً بزوال ما تعلقت قلوبهم به، وهو سبب آخر في اضطرابهم وقلقهم، من هنا أكدت النصوص الدينية على عامل زوال اللذات المادية لتنبيه الإنسان وتوعيته وإبعاده عن الركون إلى الدنيا.
- السبب الثالث:
من أسباب القلق وعدم اطمئنان المتهافتين على الدنيا هو أن اللاهثين وراء المال والمتاع والشهرة وسائر الذائد المعنوية لا ينالون مبتغاهم غالباً إلا بهضم حقوق الآخرين والصعود على أكتفاهم وامتصاص دمائهم، وهذا بالطبع يؤدي من جهة إلى ألوان من الصراع والعداوات والفتن التي تسلب الراحة من الجميع، إضافة إلى أن هذه المظالم تشكل وخزاً في ضمير مرتكبيها، فيعود عليهم الضمير باللوم والتأنيب من جهة أخرى.
ولذلك روي عن رسول الله (ص) قوله: "حب الدنيا رأس كل خطيئة ومفتاح كل سيئة".
وقال علي (ع): "أيها الناس إياكم وحب الدنيا فإنها رأس كل خطيئة، وباب كل سيئة، وقران كل فتنة، وداعي كل رزية".
ارسال التعليق