• ٧ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٥ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

غيرة صديق

أسرة

غيرة صديق

أنا طالب جامعة أعاني من مشكلة نفسية هي الغيره الشديدة، فأنا أغار على اصدقائي فلا أحب أن يتصل أحدهم بالآخر من دون أن يكلمني والغريب هو أن الغيره ليست على كل الأصدقاء ولكن هم أشخاص محددون، لا أدري لما هم بالذات وبنفس الوقت لا أغار على جميع أصدقائي.

الأخ الفاضل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحية طيبة وبعد..
الانسان إجتماعي بالطبع وهو يميل بتكوينه الى التواصل مع الأخرين وكأنه يحس بأنه جزء منهم وهم امتداده وظلاله في المجتمع، ومن الطبيعي أن يحرص الانسان على سلامة علاقاته ويقلق إذا أحس بأنها تتعرض للخطر أو الفقدان ولكن يجب ان يكون ذلك بالحدود الطبيعية التي لاتعرض حياة الانسان النفسية للإضطراب أو أن تدفعه لأن يسلك سلوكاً إجتماعياً غير مقبول فيتحسس من كل شاردة أو واردة وينعكس ذلك على ذاته حباً ونفوراً وأذى وسوءاً..
فالأصدقاء مهما عزوا ومهما قويت علاقتنا بهم فإن ذلك لا يحد من حريتهم وحقهم في أن تكون لكل منهم دائرة علاقاته الخاصة بهم، وليست الصداقة حكراً على أحد، بل هي مفتوحة للآخرين ومتغيرة من حين لحين.
وطبيعي أن ذلك يحتاج الى مزيد من المران والمراجعة المستمرة ولكنه ليس بالأمر الصعب بل هو متيسر للجميع.
وربما يرجع مرد ذلك الى عوامل نفسية وتربوية تحتاج الى مراجعة وتصحيح ومن ذلك أمور:
أن يكون الانسان مبالغاً في حبه وبغضه، فإذا أحب شخصاً وصادقه اعطاه كل الحب وزاد في علاقته وتضحيته له، وبالتالي فهو يتوقع من الآخرين أن يقابلوه بنفس الحب والتقدير.
وفي ذلك مسألتان، الأولى أن الإنسان يجب أن يكون معتدلاً في جميع ميوله وإتجاهاته، إذ قيل (كل مازاد عن حده إنقلب ضده).
وقيل أيضاً :(شدة القرب حجاب).
وورد عن علي بن أبي طالب (ع) قوله:(أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما وابغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما).
فالحياة فيها لقاء وفراق والأيام تدور وهي حبلى بالأحداث التي تغير الانسان وتغير معه ظروفه وأصدقائه، فلا يجب أن يحدد حياته بحياة غيره، هن لهم أيضاً ظروفهم وحياتهم الخاصة، وهي متغيرة ومتحولة أيضاً.
والمسالة الثانية أن الإنسان يجب أن يسعى لكي يكون مستقلاً في شأنه معتزاً بذاته غنياً بنفسه...
لا بمعنى عدم الحاجة الى الغير مطلقاً أو عدم التعاون، والتعامل مع الآخرين، وإنما بمعنى أن لا يكون معتمد عليهم مرتبطاً بهم بمصيره وأموره، فلايستطيع أن يتصرف مستقلاً، ولا يعمل واثقاً بنفسه، ومن هنا يشعر دائماً أنه بحاجة الى غيره، من المقربين اليهم.
ولعيش هاجس القلق لفقدهم وابتعادهم عنه.
والطريق الى ذلك أن يعمل الانسان على بناء شخصيته الداخلية وينمي ملكاته الخاصة ويتمرن على القيام بالأعمال لوحده، ويزرع في نفسه الثقة بالنفس وإكرام نفسه بالفضائل والإبتعاد بها عن الرذائل وأصدقاء السوء والأجواء الفاسدة المنحطة، ومع ذلك التوكل على الله تعالى والثقة برحمته ولطفه، وليعلم الإنسان أنه أعز الخلق الى الله وقد اختاره الله تعالى ليكون خليفته في الأرض يعمرها بالأعمال الصالحة، وأنه مهما صعبت ظروفه وقلت إمكاناته فإنه ينعم بنعم من الله تعالى لاتعد ولاتحصى، فليراجع نفسه ويقارنها بمن هو أسوأ حالاً منه، ومن ثم يخطو بنظره نحو المستقبل الواعد المملوء بالأمل برحمة الله التي وسعت كل شيء.

ارسال التعليق

Top