• ٢٤ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٢ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

عاشوراء.. ثورة الإصلاح للإنسانية جمعاء

عمار كاظم

عاشوراء.. ثورة الإصلاح للإنسانية جمعاء

إن تاريخ عاشوراء، ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) لا يعني ارتباطها بالماضي حصراً، وإن كانت قد حدثت فيه فعلاً ضمن مفهومنا المعاصر، بل إن تاريخها يعني أزلية استمرارها. كما هي أزلية وجود الظلم والفساد، وأزلية تحقيق الإصلاح. مثلما أن ثوريتها تعني ضرورة وحتمية السعي نحو الإصلاح حتى وإن بلغت التضحيات ذروتها. فهي الثورة الإصلاحية الحية التي تفجرت لتصحح مسار الانحراف في الأمة الإسلامية، واستمر صداها يتخطى القرون عابراً الآفاق نحو المستقبل. وهكذا انبثقت تلك الثورة حاملة معها مضامين الإصلاح وآلياته، ومشخصة الفساد ومكامنه. جسدت ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) في نهضتها قيم ومبادئ حقوق الأمة ومنها الإصلاح، حيث أكد فيها على ضرورة الاهتمام بإصلاح شؤون الأمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية.

كما تضمنت معالم تلك النهضة تمتين أواصر الثقة بالمعتقدات من خلال طرح الصحيح منها إلى الأمة، والتأكيد على وحدة الأمة ومنع إثارة التفرقة والعنصرية والطائفية والقبلية والقومية كأساس للتمييز بين الناس، وقد وضع (عليه السلام) شروط الكفاءة والاستقامة في تولي شؤون الأمة وتسيير مهام الحكم والسياسية فيها، فضلاً عن ممارسة حقّ النقد والبيعة والنصح والتوجيه ومناقشة سياسة الحاكم.

لقد استطاع الإمام الحسين (عليه السلام) أن يوقظ الضمير الإنساني ويؤثر فيه باتجاه القيم الحقة، والانتصار لها، وتحقيقها على أرض الواقع، كونها لم تحدّد بدين أو مذهب أو قومية معيّنة، بل كانت للإنسانية جمعاء. وقد أكد الإمام (عليه السلام) على أهمية طريق الحرّية وعدم الانسياق وراء الحاكم الظالم مهما كانت الأسباب، وعدم العيش كالعبيد، بل دعا (عليه السلام) إلى أن يكون الناس أحراراً في دنياهم، وقد انطلق بأهدافه هذه معلناً الحرب على الظلمة بقوله: «ألا وإنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدي رسول الله، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر».

ركّز الإمام (عليه السلام) في دعواته الإصلاحية إلى صيانة الكرامة الإنسانية، ورفض العبودية وقال متحدياً الذلة التي يريدها الطغاة للأحرار، وتوجيه الناس وتذكيرهم بأدوارهم في هذه الدنيا وضرورة التزامهم بالوعي. إنّ الحسين (عليه السلام) انتصر لأنه انسجم مع ذاته ومبادئه. ولم يتنازل عن قيمه وأخلاقه ولم يتقاعس عن القيام بواجبه ولم يرض لنفسه حياة الذل والهوان وقد قالها عليه السلام: «موت في عز خير من حياة في ذل». انتصر بانتصار المبادئ الإسلامية وبقاء شعلة الدين حية وسنة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتعاليمه حاضرة وفاعلة.

فعاشوراء الإمام الحسين (عليه السلام) لم تنته عصر العاشر من محرم الحرام سنة 61 للهجرة، بل من هناك ابتدأت وانطلقت.

ارسال التعليق

Top