• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

لا حياة مع اليأس

أسرة البلاغ

لا حياة مع اليأس

 ولد طفلاً عادياً ككل الأطفال.. لكن ذكاءه لفت الأنظار إليه حين التحق بالمدرسة فتوقع له الجميع مستقبلاً باهراً، وعندما أدّى امتحانه الشفوي الأخير بالجامعة منحه أساتذته الدرجة النهائية فعلق على ذلك أستاذ آخر بأنّ أساتذته كانوا أذكياء إلى الحد الذي سمح لهم بأن يعرفوا أنهم إنما يتحدثون إلى شخص أذكى منهم .!

وبدأ الشاب الواعد بالنبوغ دراسته للماجستير.. لكنه ينحني ذات صباح على حذائه ليربطه.. فيعاني صعوبة شديدة في الإمساك بالرباط ويكتشف أنّ أصابع يديه تتحركان بصعوبة.. وانه يتكلم بعناء شديد ويطوف على الأطباء الذين يحارون طويلاً في مرضه قبل أن يكتشفوا أنه قد أصيب بمرض نادر يؤدي إلى ضمور العضلات الحركية، وأنّ حالته ستتدهور سريعاً وسيفقد القدرة على تحريك أي عضلة في جسمه، ثم تنتهي صفحة حياته خلال عامين على الأكثر .

ويعرف الشاب كلّ ذلك فيستسلم للإحباط والتبلُّد ويتوقف عن العمل في رسالته، ويمضي وقته فوق كرسي متحرك في سماع الموسيقى ويترقب الموت، لكن الأيام تمضي بغير أن تحمل له جديداً.. يعيد التفكير في الأمر بهدوء فيرى أنّ عمله في مجال عقلي، وأنّ ذاكرته مازالت خارقة كما كانت وأنه مازال قادر على أن يجري في عقله أعقد المعادلات الرياضية و يمليها على الآخرين فتستغرق الصفحات، ويقرر ببساطة ألا يموت، وأنه ليس في حاجة إلى عضلاته وإنما إلى عقله فقط، وينهض مدفوعاً بروح جديدة لاستكمال دراسته .

ويلتقي بطالبة تدرس اللغات فيتبادلان الحب والإعجاب ويقرران الزواج.. وتقترن به الفتاة الجميلة "جين" وهي تدرك تماماً حالته الصحية، ولا تندم بعد ذلك أبداً على قرارهما، وإنما تساعده في طبع رسالته للدكتوراه وتنجب له 3 أبناء وتدير حياته وحياة الأسرة بكفاءة وإخلاص، ويعمل الشاب القعيد أستاذاً بجامعة كمبردج.. وتتوالى إنجازاته الفذة في الفيزياء وتتوالى أفكاره العلمية الجديدة .

فيقول عنه أحد زملائه أنه لا يفعل شيئاً سوى أن يخرج علينا دائماً بأفكار عملية مبتكرة فنعمل نحن على التأكد منها ونواصل بحثها .

ويحقق الشاب الضئيل شهرة عالمية ترشحه للفوز بجائزة أينشتاين في الفيزياء النظرية وينضم للجمعية الملكية البريطانية فيحمله زملائه فوق مقعده وعمره 32 سنة وزنه 50 كيلو جراماً فقط ليحضر مراسم الانضمام للجمعية وتمنحه ملكة بريطانيا لقب "سير" وتصفه الصحف بأنه أشهر علماء هذا الزمان بعد ألبرت أينشتاين، ومازال كذلك على الرغم من ظروفه الصحية المؤلمة وتدهور قدرته على الكلام حتى أصبح حديثه همساً خفيفاً كالفحيح .

وبعد 27 عاماً من زواجه بطالبة اللغات، قال عالم الفيزياء الشهير: "لقد كانت جين زوجتي هي التي أعطتني الإرادة لأن أحيا  ".

أما الأطباء فإنهم يقولون إنّ مجرد بقائه على قيد الحياة معجزة لا تفسير لها سوى أنه رجل صلب عنيد، وكلّ يوم يعيشه يسجل به رقماً قياسياً في عالم الطب !

ولقد قرأت قصة عالم الفيزياء العبقري ستيفن هوكنج منذ فترة.. ثم عدت إليها منذ أيام فوجدتني قد كتبت عليها كلمة الحكيم الفرعوني " آى" في رواية "العائش في الحقيقية" لنجيب محفوظ :

"روح الإنسان أقوى آلاف المرات من عضلاته المدرّبة المشدودة" وكتبت أيضاً عبارة الأميرة الفرعونية أمينيرس في أوبرا عايدة الشهيرة :

" الزمن كفيل بمداواة الجرح.. والحب أقدر على ذلك منه  "

 

ارسال التعليق

Top