• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

ذكر الله

أسرة البلاغ

ذكر الله

من أسباب السعادة، الطمأنينة ومصدرها الأصلي: ذكر الله كما قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد/ 28)، فما هو وما هي مظاهره؟

قد يُقال بأنّ ذكر الله تعالى: هو التسبيح والتكبير والإستغفار والدُّعاء والصلاة والصوم والحج والزكاة وقراءة القرآن، وكلّ هذه من الذكر وكلّها تؤدي إلى تزكية النفس وصفائها والشعور بالأمن والإطمئنان، ولكن ذكر الله مقولة تشمل هذه ولكنها أوسع منها.

كما إنّ الله تعالى، مطلق لا تحده حدود، كذلك ذكره يعمّ الوجود كلّه، فهو مع كلّ ذرّة وكلّ قطرة ماء وهو في الأرض كما في السماء.

إنّه إله الحاضر في كلّ مكان وزمان، كما يقول تعالى: (.. وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (الحديد/ 4).

فيكون ذكره، تذكره والإحساس بحضوره، وأنّه يسمع أقوالنا ويرى أفعالنا، وأنّ مبدأنا منه، وأنّ رجوعنا إليه، وأنّه الرّحمن الرّحيم، مالك يوم الدين، إيّاه نعبد وبه نستعين، ومنه نطلب أن يهدينا إلى الصراط المستقيم.

حضور العاشق بين يدي حبيبه.. فأحد معاني الله، الإله، المعشوق، ومعنىً آخر، هو المعبود، ومن الطبيعي أن يعبد الحبيب حبيبه، وأن يطيعه ولا يعصيه، وأن يأنس به دون غيره، وأن يذكره في يقظته ونومه، وأن يتمنّى ويريد الفوز برضاه والعيش في رضوانه.

فالذكر – لغةً – حضور الشيء بالقلب أو القول، والمراد بذكر الله كلاهما، فلابدّ للمحبِّ أن يعرب ويعبِّر عمّا في قلبه، وأن يكون صادقاً في حبّه، مطيعاً لولي أمره، لذا قيل: الإيمان قول باللسان وعمل بالأركان (.. إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ...) (النحل/ 106).

فالأصل ذكر القلب، كما قال تعالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ) (البقرة/ 152).

وذكر الله يكون بالطاعة والعبادة، ففي حديث الدر المنثور عن رسول الله (ص): "مَن أطاع الله فقد ذكر الله... وإن قلّت صلاته وصيامه وتلاوته للقرآن، ومَن عصى الله فقد نسي الله، وإن كثرت صلاته وصيامه وتلاوته للقرآن".

وفي الأثر: أنّ الله تعالى: "أخبر عن نفسه، فقال: أنا جليس مَن ذكرني – فلا يمكن لله تعالى أن يجالس عاصياً مقترفاً للمنكر والسيِّئات – وقال تعالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) (البقرة/ 152)، إذكروني بالطاعة والعبادة أذكركم بالنعم والإحسان والراحة والرضوان.

ولكي يكون الله حاضراً في أنفسنا فلا ننساه ولا ينسينا الشيطان ذكر ربّنا، جاءت الأعمال المختلفة لتوطد فينا هذا الحضور المبارك، لتذكرنا أينما غفلنا، ولتقرِّبنا إليه تعالى، متى أردنا.

فمن الذكر التسبيح، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا) (الأحزاب/ 41-42).

ومنه تلاوة القرآن، ومنه الصلاة، قال تعالى: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) (العنكبوت/ 45).

وفي الآية المباركة هذه إشارات فيه شرف للذاكرين، قال بعض العلماء: أي لذكرك الله أعظم من كل شيء في الدنيا وهو أن تتذكّر عظمته وجلاله، وتذكر ربّك في بيعك وشرائك، وفي كل شؤون حياتك، ولا تغفل عنه أبداً، ليكون حصناً لك من الشيطان، والله يعلم جميع أعمالكم وأفعالكم فيجازيكم عليها"(1).

فالذكر الحاصل من الصلاة: "هو أعظم ما يناله الإنسان من الخير وهو مفتاح كلّ خير"(2)، لأنّه ينير القلب بضياء الهدى فيعمّ الخير والسرور كلّ أرجاء الحياة.

وفيها إشارة أيضاً إلى أنّ حظ المؤمن من الصلاة بمقدار ذكر ربّه فيها، فهي الهدف من الصلاة كما قال تعالى: (.. أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) (طه/ 14)، بل الهدف من كل عبادة.. وقد ورد في الأثر: أن "لكل امرئ من صلاته ما وعى"، لذا ولكي تنتج الصلاة آثارها وتنشر بركاتها، لابدّ من الإقبال عليها والخشوع فيها وقوفاً بين يدي الله تعالى ذاكراً له مستذكراً لما يقرأه من آيات وتسبيح وتشهد وتسليم.

وإذا كانت الصلاة كذلك، ازدادت حلاوتها وخفَّ ثقلها على المصلِّي وثقلت في ميزان الأعمال، لا كالذين يقومون إلى الصلاة وهم كسالى، ولا كالذين يراؤن ويمنعون الماعون – عن الفقراء.

وكانت الصلاة كذلك خير معين وأفضل مصدر للطمأنينة، قال تعالى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) (البقرة/ 45-46).

----------------

- الهوامش:

(1) التفسير الواضح الميسر.

(2) الميزان في تفسير القرآن.

ارسال التعليق

Top