◄من ذلك العالَم (عالَم الرّحم) إلى عالم الشمس والنور والعقل والإرادة والاعتماد على النفس.. كم فتح لنا العلماء باكتشافاتهم باب المعرفة على هذا العالم، وكشـفوا أسرار وغوامض الطبيعة والأحياء؛ من النبات والحيوانات، كما فتحوا لنا باب المعرفة على عالم الإنسان وما فيه من غرائب التنظيم والأجهزة والفعاليات الجسدية المختلفة، وقدرة الفهم والنطق والتفكير..
إنّ قراءة المعلومات التي اكتشفها العلماء تثير الدهشة والإعجاب في نفوسنا، وتكشف لنا عن عظمة الخلق، وعن وجود منظِّم لهذا العالم..
لقد ألّف أحد العلماء، واسمه (أ. كريسي موريسون) كتاباً سمّاه: «العلم يدعو للإيمان»، وفي هذا الكتاب تحدّث هذا العالِم عن عظمة التنظيم الإلهيّ لهذا العالم، وأثبت لنا أنّ كلّ شيء في هذا الوجود يدلّ على عظمة خالقه.. لقد أحسستُ بوجود الله وبعظيم قدرته، وأنا أقرأ هذا الكتاب..
كان هذا العالِم يقول:
«تدور الكرة الأرضـيّة حول محورها مرّة في كلّ أربع وعشرين ساعة، أو بمعدّل نحو ألف ميل في الساعة. والآن افرض أنّها تدور بمعدّل مئة ميل فقط في الساعة. ولِمَ لا؟ عندئذ يكون نهارنا وليلنا أطول ممّا هو الآن عشر مرّات، وفي هذه الحالة قد تُحرِق شمس الصيف الحارة نباتاتنا في كلّ نهار، وفي الليل قد يتجمّد كلّ نبت في الأرض..
إنّ الشمس، التي هي مصدر كلّ حياة، تبلغ درجة حرارة سطحها (12.000) درجة فهرنهايت، وكرتنا الأرضية بعيدة عنها إلى حدّ يكفي لأن تمدّنا هذه (النار الهائلة) بالدفء الكافي، لا بأكثر منه. وتلك المسافة ثابتة بشكل عجيب، وكان تغيّرها في خلال ملايين السنين من القلّة؛ بحيث أمكن استمرار الحياة كما عرفناها، ولو أنّ درجة الحرارة على الكرة الأرضية قد زادت بمعدّل خمسين درجة في سنة واحدة، فإنّ كلّ نبت يموت، ويموت معه الإنسان، حرقاً أو تجمّداً.
والكرة الأرضية تدور حول الشمس بمعدّل ثمانية عشر ميلاً في الثانية، ولو أنّ معدّل دورانها كان، مثلاً، ستة أميال أو أربعين ميلاً في الثانية، فإنّ بُعدنا عن الشمس أو قربنا منها يكون بحيث يمتنع معه نوع حياتنا».
ثمّ يتحـدّث هذا العالِم الكبير فيقـول: «يبعد القمـر عنّا مسافة (240.000) ميل.. ولو كان قمرنا يبعد عنّا (50.000) ميل مثلاً، بدلاً من المسافة الشاسعة التي يبعد عنها فعلاً، فإنّ المدّ كان يبلغ من القوّة بحيث أنّ جميع الأراضي التي تحت منسوب الماء كانت تُغمَر مرّتين في اليوم بماء متدفِّق يزيح بقوّته الجبال نفسها.. وكانت الكرة الأرضية لتتحطّم نفسُها من هذا الاضطراب...».
إنّ كلّ واحد منّا يفكِّر في نفسه وهو يقرأ هذه الحقائق العلمية، ويسأل كيف حدث هذا الضبط والتنظيم.. ومَن صنع كلّ ذلك؟
إنّ القرآن الكريم يجيبنا بقوله:
(صنعَ اللهِ الَّذي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْء) (النمل/ 88).
(الّذي خَلَقَ سَبْعَ سَموات طِباقاً ما تَرى في خَلْقِ الرّحمنِ مِن تفاوُت) (الملك/ 3).
(والشّمْسُ تَجري لمُسـتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْديرُ العَزِيز العَلِيم * والقَمَرَ قَدَّرناهُ مَنازِلَ حتّى عادَ كالعُرْجونِ القَديم * لا الشّمْسُ يَنْبَغي لَها أنْ تُدْرِكَ القَمَرَ وَلا اللّيلُ سابِقُ النّهارِ وكُلٌّ في فَلَك يَسْبَحُون) (يس/ 38-40).
وإذا كان هذا عالم الأرض والفضاء، فلنتّجه إلى البحار والمحيطات.
وكم هو ممتع وجميل هذا العالم، وما فيه من حيوانات وأسماك ولئآلئ ومرجان..
إنّ أبحاث ودراسات العلماء المختصِّين أوصلتهم إلى اكتشاف حقائق مُذهلة عن ذلك العالم.. حقائق تدعو إلى الإعجاب والتأمُّل في عظمة تلك الأسرار الغريبة في تلك المخلوقات المائية.
ينقل لنا العالِم (أ. كريسي) في كتابه «العلم يدعو للإيمان» قصّة مُمتعة عن (سمك السلمون) و(ثعابين الماء)، مفادها:
أنّ العلماء اكتشفوا من خلال دراستهم لحياة هذه الأسماك، ظاهرة غريبة مُذهلة. فهذه الأسماك تولد في النهر، ثمّ تذهب لتعيش سنوات في البحر، ثمّ تعود إلى النهر الذي وُلِدت فيه. وإذا نُقِلَت من هذا النهر إلى نهر آخر متّصل به، فإنّها تسبح عكس التيار حتى تعود إلى النهر الذي وُلِدت فيه.
إنّها تعرف مكان مولدها، وترتبط به، وتبحث عنه، حتى تعود إليه؛ لتعيش فيه.
ويُسجِّل هذا العالِم لُغزاً مُذهلاً آخر عن حياة ثعابين الماء..
إنّ تلك الثعابين تُهاجر من مياه البرك والأنهار التي وُلِدت فيها بعد اكتمال نموّها، وتقطع آلاف الأميال في المحيط؛ لتصل إلى الأعماق السحيقة جدّاً، جنوبي جزيرة برمودا، وهناك تبقى وتموت. وعندما تفقس تلك البيوض، وتخرج الثعابين الصغار وتكتمل، تبدأ هجرة معاكسة، وتقطع نفس المسافة لتصل إلى الأماكن التي وُلِدت فيها أُمّهاتها، ثمّ تنتشر في الأنهار والبرك هناك.. وهكذا يعيش هذا الحيوان جيلاً بعد جيل.
إنّها حقّاً قصّة مُذهلة، ترسم أمامنا هذا اللّغز المحيِّر، الذي يجيب عنه القرآن بقوله:
(رَبُّنا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْء خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) (طه/ 50).
فهو الذي هداها غريزياً، وألهمها تلك المعرفة الغريزية.
إنّ تلك الحقائق تعرِّفنا بمعنى قوله تعالى:
(إنّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ العُلماءُ) (فاطر/ 28).
حقّاً إنّنا لا نعرف عظمة الله تعالى إلّا بالعلم الذي دعانا القرآن لتحصيله، كما دعانا إلى التفكّر واستخدام العقل والبرهان لمعرفة الله تعالى، ومعرفة مخلوقاته، وفهم كتابه الكريم:
(أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوب أَقْفالُها) (محمّد/ 24).
إنّ الحجاب الحاجز بيننا وبين الله سبحانه وفهم كتابه هو الجهل، وعندما نكتسب نصيباً وافراً من العلم تتفتّح أمامنا آفاق معرفة الله، وتشرق في نفوسنا أنوار كتابه.►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق