إنّ علينا أن نميّز بين ما هو إسلامي وما هو غير إسلامي. في عاشوراء يجب أن نتعلم، كيف نركّز شخصيتنا على أساس الإسلام؟، لأنّ الإسلام يريد منّا أن نبني شخصيتنا على الصورة التي يريد الله لنا أن نعيش عليها، لا يجوز للإنسان، عندما يريد أن يربّي نفسه أو يربي ولده، أن يشعر بالحرية في أن يختار المفاهيم التي يربّي عليها نَفسِه كما نفعل الآن. نحن نتربى على صورة القرآن في عاداتنا ومفاهيمنا وسياستنا وأفكارنا ومشاعرنا. لا شكّ في أهمية العنصر الروحي الذي يتمثّل في علاقة الإنسان بالله وخاصة بحضور الله في حياته، بالمستوى الذي لا يترك أي فراغ في حياته إلّا ولله فيه مكان. وهذا المعنى هو تعبير أساسي في شخصية المسلم. إنّ المسلم الذي لا يشعر بالله في حياته، لا يمكن أن يكون مسلماً أثناء ممارسة سلوكه وأخلاقه، ولهذا نجد الحديث النبوي يقول: "الصلاة عمود الدين وإنها أوّل ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة من الأعمال وأوّل ما يسأل عنه العبد بعد المعرفة. فإن قُبِلَت قُبِلَ ما ساها وإن ردّت ردّ ما سواها" باعتبار أنّ الصلاة تفتح قلبك على الله، وتجعلك تشعر بوجوده في كلّ جوانب حياتك، في علاقةٍ حميمةٍ وارتباط بينك وبينه، ولهذا فإنّ الإنسان الذي لا يصلّي، لا يعيش حضور الله، ولا يكون مرتبطاً بالدين في حياته. الصلاة تُعطي عُمْقَ الارتباط بالله. في الصباح ينبِّهك اللهُ، وفي بقية أوقات الصلاة تقدِّم حساب عملك أمام الله، وتشعر أنّك مهما عَمِلْتَ فإنّ الله معك في ذلك كلّه. عندما تنام، وعندما تستيقظ، وعندما تدخل في أي نشاط... فإنّ الله مُطّلع عليك. إنّ الإحساس هو عُمق إيمان المؤمن. لأنّ الإيمان ليس فكرة رياضية أو علمية فقط، بل هو الحضور الوجداني الفاعل الذي تشعر معه بالله كأنّه يعيش في نفسك.
على أنّ الواقع الذي نعيشه الآن هو علاقة رسمية بالله، قد نلتقي بالله في الصباح والمساء أثناء الصلاة، لكن لا يوجد لله دور في السياسة والمعمل والمدرسة وغيرها... هذا هو التفكير الغير سليم. ألا تسمعون دائماً "نحن ضد تسييس الدين" و"إنّ لله المسجد" و"ممنوع على الله أن يخرج من المسجد" وكأن للمستعمرين قانون لا يجيز تدخُّل الله في السياسة؟ يقولون لا نريد أن نحوِّل المدرسة مسجداً، هذا الواقع تدرب عليه تفكيرنا وشخصيتنا، وأصبح دور الله في حياتنا مقتصراً على الصلاة والصوم والحج فقط.
يجب أن يدخل الدين في كلّ حياتك، وأن يبدأ دور الله معك ولادتك وحتى تموت. علاقتك مع زوجتك وأولادك وزبائنك وأصحاب عملك والناس الذين تحكمهم... كلّها يجب أن تطابق شرع الله. الله علّمنا أن نفكر به من خلال خَلْقِه ونعمه، فنعرف مقدرته في ذلك، لذلك يجب أن تذكر (اسم الله) قبل أن تبدأ في أي عمل حتى في ممارسة شهواتك. هذا الجانب الروحي في الإسلام هو الذي يحمي الجانب السياسي. الفصل بين الجانب الروحي والسياسي، هو الذي يجعل الحياة السياسية تسير في طريق الضلال، لأنك عندما تبعد الجانب الروحي عن حياتك، فمعنى ذلك أنّ حياتك ستنطلق من خلال مزاجك وأهوائك، عندما لا تبدأ السياسة من الله، فإنك تكون قد بدأتَها من الشيطان. هناك خط لله وخط للشيطان، وعندما لا تكون مع الله حتماً تكون مع الشيطان. الإنسان الذي يخاف الله، لا يخاف أحد مِن ظلمه. الروحية الإسلامية هي أن يكون الإنسان مع العدو والصديق على حد سواء، لا يظلم عدوّه ولا صديقه. على أننا لو عشنا هذه المفاهيم في حياتنا السياسية، فكم تستطيع تلك المفاهيم أن تخدم قضايانا. إذا كنا نريد أن لا يظلمنا أحد، فيجب أن لا نظلم أحداً. هكذا قال أئمة أهل البيت (عليهم السلام). هذا هو الإسلام، إذا تربّينا على هذه الروحية في حياتنا السياسية والاجتماعية، نستطيع أن ندفع حياتنا السياسية والعملية في الاتجاه الصحيح. من أيّ شيء نشكو في المجتمع؟ إننا نعيش الروح العشائرية، ولا نعيش روحية الإسلام. إنّ مشكلة السياسة هي أنّ الذين يمارسون السياسة يعيشون التمييز والحقد على الناس. بعض الناس يقولون: إذا أدخلنا الجانب الروحي في السياسة، فإنّ هذا البلد أو ذاك سيتعرض للفتن الداخلية إذ يوجد طوائف متعددة في كلّ بلد، وحفاظاً على وحدتها وتآلفها يجب عدم تدخل الدين بالسياسة.
إنّ علينا أن نبني أنفسنا البناء الروحي، واعلموا إنّ طريق الدين يمرّ في طريق العلم. اقرؤوا جميع الكتب العلمية فسيزداد إيمانكم، ادرسوا كلّ العلوم لتعرفوا الله من خلال ذلك، جربوا صداقة الله، جربوا كيف تحبون الله وتفتحون قلوبكم لله، تكلموا مع الله ولكن بوعي... وستجدون كيف تنفتح لكم الحياة. فلنعش روحية عاشوراء، ففي ليلة العاشر من محرم كان أصحاب الحسين (ع) بين قائم وقاعد، وراكع وساجد. وكان لهم بكاؤهم ودعاؤهم الذي يدويّ كدويّ النحل، لأنّهم كانوا يعيشون الأفق الروحي.
إنّ تقربكم لله لا يعزلكم عن الحياة بل يقربكم منها، إنّ كلّ السدود والحواجز التي تنصب بيننا، فإنما انطلقت من خلال الشيطان. إنّ قضية الله هي قضية المصير في الدنيا والآخرة، علينا أن نتقرب إلى الله... نذكر حياتنا من خلال الله (سبحانه وتعالى). وهذا هو الخط الذي يهدي للتي هي أقوم.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق