◄قبل أن تنتشر الاختبارات النفسية، كانت تستخدم بعض الأساليب التي تهدف إلى تحليل شخصية الموظف واختياره للعمل المناسب، ومن هذه الأساليب كتابة خطه: كيف يكتب؟ على اعتبار أنّ هناك خصائص تكمن وراء الخط وما يتميز به تدل من ناحية ما على شخصية صاحبه:
· الحجم: تشير الكتابة الصغيرة إلى الرقة والكبيرة إلى وسع الأفق وبعد النظر.
· الوسع: الكتابة المتسعة تشير إلى الانطلاق، والضيقة تشير إلى الانزواء والنظرة المحدودة.
· الانتظام: يشير إلى التخطيط في الوصول إلى الهدف.
· السرعة: تدل على حب العمل.
· البطء: يدل على عدم النشاط (الوهن).
· الضغط: يدل على الحيوية والجدية.
· الأسطر المستقيمة: ضبط النفس وإدارة الذات.
· الأسطر المائلة إلى أعلى: الطموح والتفاؤل.
· الأسطر التي تتذبذب بين أسفل وأعلى: حسن تصرف وقدرة على التكيف والمرونة.
· الأسطر المنحدرة نزولاً: تشير إلى التدهور والخنوع.
لا أدعوك لأن تنظر ملياً إلى خطك وكيف تكتبه حتى تتبيّن شخصيتك من خلاله أو إلى أي مدى يمكن أن تكون "موظفاً رائداً"، لأنّ الكتابة باليد ندرت مع دخول العمل عصر الكومبيوتر والمراسلات التقنية، وبات هناك طرقاً مغايرة للتقييم والاختيار، فكثير من الشركات – اليوم – تعتمد في اختيارها الموظف المناسب على: اختبار الكفاءة واختبار الديناميكية واختبارات التميز، حتى أنّ بعض الشركات تطرح السير الذاتية جانباً وتمتحن المتقدم لوظيفة ما لديها باختبارات شخصية وأسئلة نفسية عادية بحثاً عن "جدارته" وتصرفه في المواقف الصعبة، ويدهشك ما تسمعه عن أسلوب بعض الشركات الرائدة (كشركة سيارات كاديلاك الأمريكية) كيف تختبر المتقدمين إليها لملء وظائف شاغرة عندما تنظر في المرشح لناحية تململه أثناء المقابلة، درجة اندفاعه، مدى حماسه، كم هو ديناميكي ونشيط، فإذا بقي المتقدم هادئاً طوال المقابلة فإنّه لا يعول عليه كثيراً. يقول "كارل سيويل" الذي تولى تحديد المستويات النموذجية لخدمة العملاء لدى بعض الشركات الأمريكية في مؤلفه "زبائن مدى الحياة": عندما يحضر شخص للمقابلة فإننا نبحث عن خمس صفات:
1- تاريخ النجاح: نريد أن نعرف مقدار نجاحهم في وظائفهم السابقة، فإذا كانوا قد نجحوا في الماضي فمن المحتمل أن ينجحوا في المستقبل، وفيما إذا كانوا قد تقلدوا مراكز قيادية، فمن شأن ذلك أن يبيّن لنا مدى قدرتهم على العمل.
2- الطاقة: نحب الشخص الذي يتحرك كثيراً أثناء المقابلة فهو في أحيان ليس دليل عصبية أو توتر إنما يدلّ على رغبته بأن ينجز شيئاً ما. يمكنك أن تعرف الكثير من طاقاته لمجرد السؤال عن هواياته، هل يركض، هل يتزلج، هل يسبح، هل يمشي لمسافات طويلة، هل يلعب الشطرنج، هل يقرأ؟ من المفضل أن تكون للشخص أكثر من هواية، وبذاك تحكم كم هو نشيط.
3- الشخصية: نرغب بأن نعرف شيئاً عن مكامن شخصيته، مدى حبه لمساعدة الآخرين، نحاول أن نكتشف فيما إذا كانوا يعتزون بأنفسهم وبما يعملونه، نسأل عن التقديرات التي حصلوا عليها خلال مراحل حياتهم وماذا تعني لهم، مثل هذا الأمر ينبئ عادة عن أنهم ممن يحبون المنافسة مع الآخرين.
4- التطلع: نود معرفة مقدار حرصهم على الرقي في مجال تخصصهم، ما هو مبلغ طموحهم، قد تسأل هنا إذا كان قد أتم دراسته، أو لماذا توقف عنها، وفيما إذا كان يريد أن يلتحق بدراسات عليا أو معاهد تدريب، وما سيفعله في سبيل تطوير ذاته.
5- الذكاء: إذا تساوت جميع الظروف بين عدة موظفين فإنّ الذي يميزهم ويحقق الأفضلية هو الذكاء، ويمكن أن تختبر ذلك بأكثر من طريقة، نحن نحرص على أن نوظف أذكياء لأنّه من الصعب أن تجد أذكياء يعملون مع أناس ليسوا مثلهم.
تبدو مسألة اختيار الموظف المناسب مسألة دقيقة عند أرباب العمل الرائدين، فهم إذا كانوا ناجحين يرغبون أن يوظفوا أناساً مثلهم، يحرصون على ملاءمة كلّ مرشح للوظيفة المطلوبة، ورغم أنّ أفضل شخص في العالم سيجد صعوبة في عمله ما لم يكن مناسباً للوظيفة أو لمجموعة العمل الذي يود أن يعمل معها، إلا أنّ هناك جملة خصال يمكن أن يلم بها أي موظف يبدو مميزاً وهي:
1- الجرأة: أفضل بداية للموظف الجريء (الثوري) هي إيجاد الأخطاء في نظام خدمات قائم، ومن ثمّ القيام بإنجاز لتحسينه (وليس نقده فقط إنما بتقديم بدائل أفضل له) يجب أن توجد لدينا شجاعة وإيمان بأنّ الأشياء يجب أن تكون أفضل.
2- متعة التطلع: القاعدة الأساسية في أي عملية تطور هي التطلع، هي أن تضع نصب عينيك مشاريع مرموقة، أن تؤسس تصوراً لما قد يكون عليه العمل.
3- الحسية: إلى جانب الحدس المطلوب، كم هو جميل أن ترى حسياً نموذج العمل، أن تختبر أفكارك بمعطيات عملانية، أن تصمم بروحية سامية ما تحب أن تستخدمه أنت.
4- الحماس: نجاح كثير من الأعمال كان نتجية لتطور أفكار صغيرة ثمّ كبرت، لهذا تجاهل قائلي كلمة لا – لن تنجح – إنها غير ضرورية لنطاق عملنا.. هنا قد تجد نفسك في نزال مع "بعضهم" بحجة أنّ الحالة القائمة مناسبة، لذلك تجاهل "لاآتهم" إذا كنت فعلاً تريد الانطلاق، فنعم أكيدة وواثقة منك ضرورية لنجاح وتنفيذ أي فكرة ثورية.
5- التميز: إنّ أفضل طريقة لمعرفة ما إذا كانت أفكارك قد حققت تحسينات هي القيام بمقارنة أفكارك مع أمثلة لها سابقة، واسأل الزملاء المقربين أو القدامى في العمل ما إذا كانت هذه الفكرة قد أدت إلى قفزة نوعية. ومن الطرق التي تبيّن تميزك هي ملاحظة مدى اعتماد زملائك على ما قدمته.
6- الجزم: أن تكون جازماً يعني أن تعرف متى تقول "لا" دون أن تسبب إزعاجاً لأحد، أن تطلب ما تريده دون أن تضر بالآخرين، أن تقول ما أنت بحاجة إليه دون الخوف من السخرية والنقد، أن تصف مشاعرك للآخرين دون ارتباك، أن تطلب ما يجوز لك شرعاً، أن تحافظ على هدوئك واتزانك في أجواء مشحونة.
على أيّة حال ليس سهلاً على مؤسسة رائدة أن تجازف بشجاعة موظف، وكذلك ليس أمراً مرغوباً فيه أن يتجرأ موظف ما على لعبه دوراً ثورياً بمجرد دخوله مضمار العمل/ المؤسسة، لذلك اترك الأمور تسير حسب الفرص ومهّد لأفكارك مع من آمنوا بها واحداً تلو الآخر حتى تأتي اللحظة المناسبة لطرحها، لأنّ مادام تعبير "أفضل" هو عدو ومنافس لـ"مقبول" فإنّ هذا "الأفضل" لابدّ وأن يأتي. واعلم أنّ كثيراً من المؤسسات والشركات الرائدة تخضع موظفيها لتقييم دائماً بالنظر إلى معايير عدة أبرزها:
· هل هو مناسب للذين يعمل معهم؟ (يعرف عن ذلك من خلال انطباعات زملائه عنه) فاترك انطباعاً طيباً.
· هل يستطيع القيام بالعمل الموكل إليه؟ (لا يكفي أن يحبك الجميع إذا لم تنجز العمل بالصورة الصحيحة) فالتزم الجدية.
· هل يُظهر الموظف تطوراً في أدائه؟ لا يكفي إتقانه لما يعمل، بل لابدّ أن يجد مدراؤه ما يشير إلى القدرة على تحمل مسؤوليات أكبر.
في رياضة البيسبول لا يمكنك أن تفوز دون قذف الكرة بقوة، وفي كرة القدم تحتاج إلى مهاجم قوي، وفي كرة السلة تحتاج إلى لاعب فذ، الأمر ذاته في دنيا الأعمال والمراكز الحساسة من الوظائف (كالمسؤولين عن القروض في المصارف، الطيارين في شركات الطيران، المحررين في الصحف الكبرى) لا يمكن تركها في أيدي أشخاص عاديين. لهذا ندعوك لأن ترفع سقف توقعاتك، يجب دائماً أن توجد جبلاً من الأهداف لكي تتسلقه، ينبغي أن تواصل رفع مستوياتك لأنّ القاعدة تقول: عندما تصبح راضياً عن إنجازاتك ستجد أنّ شخصاً آخر قد تجاوزك، لذلك لا يجب أن تتوقف عند مستوى إنجازك.. اكسر ما يسمى بالرقم القياسي، في رياضات الجري هناك متبارين كثر وكلٌّ يود أن يكسب، ولكنْ قليلون أولئك الذين يودّون قفز الرقم الأوّل. من هنا صمم على أن تكون الأفضل بأن تحدد هدفاً بأعلى مستوى ممكن للإنجاز، علماً بأنك إذا توقعت الأكبر ستصل إلى ما هو أكبر.
يقول أحد الناجحين: كن أكبر من ذاتك من خلال التشديد على الأمور التي تجيد، ولا تشدد على الأمور التي لا تجيد، لتكن لك الجرأة بالتفوق والقيام بأمور لا يستطيع الآخرون القيام بها، وعندما تجرؤ على أن تكون شجاعاً فإنك تملك الجرأة أيضاً لتكون عظيماً.
متطلبات لابدّ منها:
كموظف تود أن تكون مناسباً مميزاً، عليك أن ترسم شبكة علاقتك على هيئة مخطط عنكبوتي، سواء داخل المكتب أو خارجه، احرص على علاقات مهنية سليمة من أجل العمل، وعلى علاقات اجتماعية من أجلك أنت، ذلك أنّ الموظفين المبتدئين يبدون استعدادهم للتفكير بشكل أبعد من مجال إهتمامهم الذاتي المباشر. إنّهم يظهرون إهتمامهم للتضحية بالوقت والجهد من أجل الصالح العام، لذلك ابدأ بإثارة إهتمام مديرك المباشر وبقية المدراء في المؤسسة بأنك مستعد للالتحاق بأي فريق عمل في أي مشروع يقع خارج إطار مسؤولياتك، وهذا يفيدك بأن تتعرف على أفكار خارج إطار عملك المباشر، ويُظهر كم أنت متعاون ومعني بمصلحة العمل، ولا تنس في سبيل ذلك أن:
تشارك فيما تقوم به مؤسستك من ورشات عمل تساعدك في تحديث معلوماتك.
تقيم بعض المؤسسات احتفالات ورحلات ونزهات خلال السنة، فلا تتردد في المشاركة، اغتنم فرصة وجودك في أماكن منتدباً إليها من مؤسستك إلى منتديات علمية أو لمهمات خارج البلاد، واستفد من الإهتمام باللقاءات الاجتماعية وإغناء معارفك الشخصية بصداقات.
· في كلِّ مؤسسة هناك رجل قديم "عتيق بالمهنة" لا بأس بأن تتحادث وإياه – تستنصحه – تناقش معه القضايا التي تضايقك وتقلقك.
· تابع ما يحدث في مجال اختصاصك بشكل منتظم، سواء عبر شراء المجلات المتخصصة أو حضور المحاضرات.
· مهما كان شعورك تجاه مديرك فإنّ إدارته جزء من عملك، وإذا شعرت بأنك لا تقوم بذلك، حاول أن تتحدث إليه حول طموحاتك واسأله كيف يمكن العمل على تحقيق هذه الطموحات. تقرب منه وصادقه، اعرف شيئاً عن عائلته – هواياته – إهتماماته وحاول مشاركته هذه الإهتمامات وقت الفراغ. (وأهمسُ في أذنك بسر: فتش عن نقطة ضعف مديرك بأن تعرف كيف يتم التأثير عليه، إذا لم تكن تعرف اسأل، ولا تنس في فرصة صفاء معه بأن تقدم له بعض الملاحظات حول انطباعك عنه وكيف يجذبك).
إذن ليس مهماً "كم هو صعب" ما تعمله ولكن كيف تكون ذكياً لتعمله هو المهم، فما تساويه الحياة لا يحدده فشل واحد أو نجاح خادع، وفي اليوم الذي تتكلّم فيه بمسؤولية تجاه نفسك وفي اللحظة التي تبدأ فيها بإيقاف الأعذار (التهرب) يكون ذلك اليوم نفسه هو بداية خطوات صعودك نحو القمّة. إذا أردت أن تتبوأ مركزاً ما فعليك أن تغامر، لم نسمع أبداً بحّاراً متمرساً تعلم قيادة باخرته في مياه ساكنة أو على اليابسة، واعلم أنّ عناصر العبقرية لا تبدأ في الظهور إلا عندما تصادفها الظروف المعاكسة، فتوقّعْها وتحضّرْ لها وتحدّاها وابتعدْ عن شيء اسمه الغرور فهو كالرمل المتحرك الذي يبتلع النجاح. ►
المصدر: كتاب الشخص المناسب (هو تود أن تكون الشخص المناسب في المكان المناسب؟)
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق