• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الشباب والإكتفاء بثقافة الكمبيوتر

الشباب والإكتفاء بثقافة الكمبيوتر

◄ليس ثمّة تعارض بين الثقافة كإلمام بصنوف المعرفة، وبين التخصص كإحاطةٍ في فرعٍ أو حقلٍ معيّن. فالثقافة تتنافذ على بعضها، وقد يبدو غريباً الربط بين (الرعي) وبين (الزراعة) وبين (التربية)، لكنّك لو دقّقت النظر لرأيت أنّ الكثير من الأمثلة الزِّراعية والرعوية يمكن استيحاؤها في السياسة وفي التربية، وقل الشيء نفسه في المجالات الأخرى.

    لكنّ المُلاحظ على بعض الشبان اليوم، هو اكتفاؤهم بـ(ثقافة الكومبيوتر) واستغناؤهم عمّا سواها، وهم في ذلك يعتمدون مقولة أنّ لغة العصر هو الكومبيوتر. ولا يختلف إثنان على ما حقّقه هذا الإنجاز العلمي الباهر في ثورة المعلومات من خلال السياحة عبرَ مواقع الشبكة العنكبوتيّة التي تختصر عوالم كبيرة في هذا الجهاز الصغير.

    وليت أنّ السياحة كانت سياحة علميّة دراسية ثقافية تنمويّة، فهي – كما في الكثير من الإحصائيات – سياحة في مواقع معيّنة؛ كالمقاهي وغرف الدردشة، أو تصفّح المواقع الشبابية، أو الإباحية.

    والثقافة – مهما وفّر الإنترنت وجبات دسمة وغنيّة منها – لا يمكن حصرها في هذه القناة الثقافية، فحسب.

    فالحياة ذاتها فيها من الثقافة ما لا يمكن الإستغناء عنه، فلو أجرينا تجربة على شابٍّ يعيشُ في غرفةٍ مقفلةٍ لا يرى من العالم سوى وجه الكومبيوتر، وشاب آخر يطلّ على الحياة من خلال صورها المتعدِّدة ومرافقها الكثيرة وعلاقاتها المتشعِّبة، كما يطلّ على الكومبيوتر في ساعات معيّنة، لرأينا الشاب الثاني أثقف من الأوّل.

    قد تكون معلومات الأوّل أكثر، لكنّ قدرته على التفاعل مع الحياة أضعف، بل وقدرته في توظيف المعلومة قد تكون محدودة.

    إنّ الندوات الفكرية والثقافية والأدبية والتربوية والوعظية الحيّة – وإن كان في الإنترنت ما يماثلها – لكنها تقدِّم الثقافة ذات النبض والإيقاع الذي يترك تأثيره الخاص والمباشر، أكثر من تأثير المنشور على صفحات الإنترنت.

    كما أنّ الدورات التعليميّة وبرامج التأهيل والتثقيف، تُقدِّم هي الأخرى زاداً ثقافيّاً متحرِّكاً، قد لا تجد نظيره على الإنترنت، فلقد ثبت أنّ المعلِّم الحي الذي يُقدِّم الدرس بلا حواجز تقنيّة، أبلغ في التأثير من معلِّمٍ تحجبه شاشة، لذا فقد اعتبر الإنترنت وسيلة اتِّصال وليس وسيلة تواصل إلا في نطاقات محدّدة.. فالفارق بين جماعة يدخلون إلى غرف الدردشة وبين جماعة يلتقون تحت سقف واحد أكبر من مجرّد النظر إلى بعضهم البعض أو الإستماع إلى بعضهم البعض، وإنّما في هذه الحميمية المفتقدة في الألكترونيّات، وفي المباشرة والتقاط الإشارات الحيّة والمنعكسة على جوِّ الإجتماع: أخذاً وعطاءً، وفعلاً وردّ فعل، وتأثيراً واستجابة.

    ومهما يكن من أمر، فإنّ حصر الثقافة الشبابية بالكومبيوتر كحصر الأطعمة بمائدةٍ واحدة، قد يكون فيها ما لذّ وطاب، لكنها بالتأكيد ليست المائدة الثقافية الوحيدة.

    إضافة إلى أنّ ثقافة الإنترنت، هي ثقافة قليلة العمق في معظم الحالات، إلا إذا استخدمها الفرد في تعميق رؤيته وفكرته ونظريّته في مختلف العلوم والمعارف. ►

ارسال التعليق

Top