• ٢٤ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٢ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

السيدة زينب (عليها السلام).. مثال حيّ للشجاعة والثبات

عمار كاظم

السيدة زينب (عليها السلام).. مثال حيّ للشجاعة والثبات

كانت السيدة زينب (عليها السلام) تمثل الإنسانة التي يذكر كتّاب سيرتها أنّها من أفاضل النساء، كانت قويّةً في حجتها، صلبةً في مواقفها، شجاعةً في مواجهة التحدي. السيدة زينب (عليها السلام) هي من النماذج النسوية التي تمثّل القيمة الإسلامية الرسالية الرائدة في عالم النساء، ونحن نعرف من خلال القرآن، أنّ الله يضرب المثل بالمرأة الصالحة للرجال وللنساء معاً، لأنّ القيمة الروحية أو الأخلاقية عندما تتمثّل في المرأة ـ كما تتمثَّل في الرجل ـ فهي القيمة الإنسانية المتحركة في خطِّ الإسلام، والتي يحتاجها الرجال والنساء معاً.

من خلال السيدة زينب (عليها السلام)، نستطيع أن نعرف دور المرأة المسلمة في ساحة الصراع التي امتزج فيها جانب المأساة إلى جانب الجهاد، وامتدّ الجهاد بعد كربلاء من خلالها. كانت السيدة زينب (عليها السلام) ثانية أُمّها الصديقة الزهراء (عليها السلام) في العبادة والتهجد والذكر، فكانت صوّامة قوّامة، قانتة لله تعالى تائبة إليه، تقضي أكثر لياليها متهجدة تالية للقرآن الكريم، ولم تترك كلّ ذلك حتى في أشد الليالي ليلة الحادي عشر من محرم.

إنّ حياة السيدة زينب (عليها السلام) كانت بمثابة إعداد وتهيئة للدور الأكبر والأصعب الذي ينتظرها في هذه الحياة، دورها في نهضة أخيها الإمام الحسين (عليه السلام) بكربلاء. وما كان للسيدة زينب (عليها السلام) أن تنجح في أداء ذلك الامتحان، وممارسة ذلك الدور، لو لم تمتلك ذلك الرصيد الضخم من تجارب المقاومة والمعاناة، ولو لم يتوفر لها ذلك الرصيد الكبير من البصيرة والوعي. فواقعة كربلاء تعتبر من أهم الأحداث التي عصفت بالأُمة الإسلامية بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). وكان للسيدة زينب (عليها السلام) دور أساسي ورئيسي في هذه الثورة العظيمة، فهي الشخصية الثانية على مسرح الثورة بعد شخصية أخيها الحسين (عليه السلام). كما أنّها قادت مسيرة الثورة بعد استشهاد أخيها الحسين (عليه السلام) وأكملت ذلك الدور العظيم بكلّ جدارة. لقد أظهرت كربلاء جوهر شخصية السيدة زينب (عليها السلام)، وكشفت عن عظيم كفاءاتها وملكاتها القيادية، كما أوضحت السيدة زينب (عليها السلام) للعالم حقيقة ثورة كربلاء، وأبعاد حوادثها.

ففي ذكرى ولادتها الشريفة، علينا أن نفهم السيدة زينب (عليها السلام) في فكرها، وفي ثقافتها، وفي حركتها، وأن ندرس خُطبها وكلماتها، فلعلّنا نرتوي ونغدق من علمها ومواقفها المشرّفة، في دفاعها عن الحقّ مع الحسين (عليه السلام). إنّها (عليها السلام)، بمواقفها البطولية وكفاحها المشرّف ضد الظلم والطغيان يجب أن تكون قدوة لمقارعة الظلم، ونشر العدل في الأرض. لقد تجرّعت المصائب التي تذوب من هولها الجبال، كلُّ ذلك من أجل الإسلام والحفاظ على مبادئه وقيمه.

إنّ أي رزية من رزايا سيدة النساء زينب (عليها السلام) لو اُبتلي بها أي إنسان مهما تذرع بالصبر وقوّة النفس لأوهنت قواه، واستسلم للضعف النفس، وما تمكن على مقارعة الأحداث، ولكنّها صمدت أمام ذلك البلاء الكبير، وقاومت الأحداث بنفس آمنة مطمئنة راضية بقضاء الله تعالى، وصابرة على بلائه، فكانت من أبرز المعنيين.. بقوله تعالى: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) (البقرة/ 155-157)، وقال تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (الزمر/ 10).

لقد صبرت حفيدة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأظهرت التجلّد، وقوّة النفس، أمام أعداء الله، وقاومتهم بصلابة وشموخ، فلم يشاهد في جميع فترات التاريخ سيدة مثلها في قوّة عزيمتها وصمودها أمام الكوارث. كانت الصابرة كأعمق وأرحب ما يكون الصبر، وكانت البطلة أمام المأساة، وهي القائلة: «اللّهمّ تقبّل منّا هذا القربان»، هكذا كانت القدوة في البطولة والوعي والمنطق.

ارسال التعليق

Top