إنّ فاطمة الزهراء ( عليها السلام) هي مظهر حيّ لفضائل أهل البيت (عليهم السلام) في كلّ كلماتها وأعمالها، في زهدها وعبادتها، في أخلاقها ومشاعرها، في إيمانها وتقواها. فاطمة (عليها السلام) هي الاسم الذي عندما نذكره أو نتذكره فإنه لا يوحي لنا إلا بالطهارة كأصفى ما تكون الطهارة، وبالنقاء كأعذب ما يكون النقاء، وبالإنسانية التي تعطي الإنسان قيمته، وبالعصمة التي تتمثلها فكراً في فكرها، وخلقاً في أخلاقها، وسلوكاً في كل حياتها، وشجاعة في الموقف مع الحق، شجاعة رسالية لا شجاعة انفعالية.. كانت وقفاتها وقفات من أجل الحق، وكان حزنها حزن القضيّة وفرحها فرح الرسالة، ومثّلت عمق الإسلام في عمق شخصيتها، واختزنت في داخلها كلّ الفضائل الإنسانية الإسلامية، باعتبار أن كونها سيدة نساء العالمين يفرض أن تكون في المستوى الأعلى من حيث القيمة الروحية والأخلاقية. من هنا حاجتنا إلى الزهراء (عليها السلام).. حاجتنا إليها هي حاجتنا إلى القدوة والمثل والنموذج، حاجتنا إليها هي حاجتنا إلى الشخصية التي جمعت كل العناصر الحيّة التي تتوازن وتتكامل فيها الشخصية. وهكذا، عاشت الزهراء (عليها السلام) إنسانيتها في أبهى تجلياتها، وعندما كانت تعبد الله تعالى في محرابها، كانت تفكر في الناس الآخرين قبل أن تفكر في نفسها. نحن عندما نريد أن نبلغ القمّة في القيمة الروحية، فإنّ ما نقوم به لنبلغ هذا المستوى، هو أنّنا نسعى إلى التعامل مع الناس كأنفسنا: «لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه، ويكره له ما يكره لها». أما الزهراء (عليها السلام) فقد كانت تقدّم الناس على نفسها، فكانت تحب كلّ الناس، وتفكر فيهم، وتحمل همومهم، وتدعو لهم في كلّ مشاكلهم قبل أن تدعو لنفسها. كانت الإنسانة التي عاشت معنى رسول الله في الرسالة، ومعنى عليّ في الإمامة، ولذلك كان صوتها صوت عليّ عندما تحدّث عن الحقّ الّذي لم يترك له من صديق، وكذلك لم يترك الحقّ لها من صديق؛ كانت الإنسانة التي تقف بكلّ صلابة في مواجهة الباطل، ولم تأخذها في الله لومة لائم. إنّ هذا يعلّمنا أنّ علينا أن نفكر في الآخرين، أن نعمل على رفع مستواهم، وأن نحلّ كلّ مشاكلهم ونضمِّد جراحهم ونعيش كلّ آلامهم ونسعد بسعادتهم، ويعلّمنا أيضاً أنه عندما نكون بين يدي الله، فإنّ علينا أن نفكر في الناس كلهم ثم نفكر في أنفسنا. ذلك هو سر أهل البيت (عليهم السلام): (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت) (الأحزاب/ 33)، كلّ رجس المادة، ورجس الذات والمطامع، كلّ الرجس الذي يحبس الإنسان في زنزانة ذاته ويمنعه من أن يعيش إنسانيته برحابتها. ذلك هو سر أهل البيت (عليهم السلام) الذين يعلّمون الإنسان أن يشعر بأنّه مع الإنسان الآخر وليس فوقه، وتلك هي الطهارة، طهارة الفكر عندما ينفتح على الحق، وطهارة القلب عندما ينفتح على الحب للإنسان كله، وطهارة الطاقة عندما تتحرك من أجل أن ترفع مستوى الإنسان. ومن هنا، كانت الزهراء (عليها السلام) تمثّل الإنسانة العالمة، الداعية الّتي تنفتح على القضايا الإسلاميّة من موقع الغنى العلمي والروحي. كانت إنسانيّتها كإنسانيّة زوجها وابن عمها أمير المؤمنين (عليه السلام) في مسألة الإيثار، كانا يقدّمان التّضحية كلّها، ويفعلان الخير كلّه، ويجسّدان الإيثار كلّه لوجه الله، وذلك يمثّل أعلى معاني الإنسانيّة.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق