(إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) (الإسراء/ 9).
القرآن هو الرسالة الإلهية الخالدة، ومستودع الفكر والوعي، ومنهج الاستقامة والهداية، ومقياس النقاء والأصالة.
إنّ تعليم الطفل والناشىء القرآن يعمل على بناء شخصيته بناءً ايمانياً، ويربي في نفسه قيم الأخلاق والسلوك المستقيم. ويشكّل شخصيته وطريقة تفكيره تشكيلاً يتّسم بالنقاء والأصالة. كما يمنحه الفصاحة، وحسن النطق، وسلامة المنطق، ويزوّده بالوعي والمعرفة.
وضمن تخطيط معاد للإسلام ولحضارته أُبعد تدريس القرآن من المدارس الحكومية في معظم البلدان الإسلامية إلا بشكل بدائي ومحدود في بعضها، لتنشأ الأجيال وهي تجهل قيمة القرآن، وتعيش بعيدة عن الارتباط به، والالتزام بمنهجه. حتى غدا المتعلم المسلم لا يحسن قراءة القرآن، ولا يشعر بالارتباط الروحي والنفسي والفكري به حتى بعد اكمال دراسته الجامعية، ناهيك عن فهمه، واستيعاب محتواه والتعبد به.
انّ مسؤولية الآباء تلزمهم بضرورة تعليم أبنائهم لكتاب الله، وتحبيب تلاوته، وتقديسه في نفوسهم.
ومما يسهل مشروع تعليم القرآن هو تطور الوسائل التعليمية كجهاز التسجيل والفيديو والتلفزيون... إلخ.
ووجود القرآن مرتلاً ومجوداً على السن القرّاء المختصين يساعد الآباء على تعليم قراءة القرآن وتحفيظه للأبناء بشكل سليم ومتقن.
إنّ مراحل تعليم القرآن ينبغي أن تبدأ من حين شروع الطفل بالنطق، فانّها مرحلة الحفظ والتلقي والتفاعل النفسي مع المعرفة. فيحفّظ آيات قصار من القرآن، ويشجع على حفظها بالثناء عليه، وتقديم الهدية التي تناسب سنه واهتماماته، لاسيما تلك الهدايا القابلة للحفظ. فتبقى كذكرى وهدية محببة إليه.
فإهداء مصحف أنيق الطباعة والاخراج له يزيد من اهتمامه، ويشعره بحب أبويه له، وعنايتهم بكتاب الله، وتعليمه.
إنّ تعليم القرآن حفظاً وقراءة وترتيلاً يجب أن يحظى بعناية خاصة في المدارس ومؤسسات التربية والتعليم. فتكون له حصص وافرة في الجدول المدرسي، واهتمام بالغ في تدريسه وبيان محتواه على ضوء حاجة الإنسان ومشاكله المعاصرة.
كما ينبغي أن نؤسس الجمعيات والمدارس وحلقات الدرس الخاصة بتعليم القرآن وحفظه وتفسيره.
إنّ الجيل الذي ينشأ في أحضان بيئة اجتماعية تعتني بالقرآن، وترتبط به، يكتسب منها هذا الاهتمام والارتباط النفسي والفكري.
إنّ اكتشاف مواهب الناشئين في الحفظ أو الترتيل وتنميتها وتشجيعها باقامة المسابقات والندوات والمؤتمرات القرآنية وتكريم الحفاظ والقرّاء يشكل جزئاً مهماً من مشروع إعداد جيل من حفاظ القرآن وقرّائه.
ولكي ترتبط الأُمّة بكل عناصر الارتباط ومحفزاته بكتاب الله نجد الرسول الكريم محمد (ص) قام باعداد جيل من الحفاظ والقرّاء.
ويكفي دليلاً على ذلك أنّ الروايات التاريخية حدثتنا عن استشهاد أربع مائة رجل من قرّاء القرآن من جيل الصحابة في معركة اليمامة وحدها.
وتتضح قيمة هذا العدد من القرّاء إذا عرفنا أن عدد نفوس المسلمين في الجزيرة العربية كان قليلاً.
وإذا كان هذا الشاهد التاريخي يشكل دليلاً عملياً على الاهتمام بحفظ القرآن، فإن هناك التوجيهات النبوية التي تدعو المسلم وتحفزه على التسابق على حفظ القرآن وقراءته أو تيسيرهما للآخرين.
من ذلك قوله (ص): "الحافظ للقرآن العامل به مع السفرة الكرام البررة".
ويوضح الرسول الكريم أهمية تنشئة الجيل على حفظ القرآن وتأثيره في سلوكه وشخصيته فيقول:
"من قرأ القرآن وهو شاب مؤمن اختلط القرآن بلحمه ودمه، وجعله الله عزّ وجلّ مع السفرة الكرام البررة...".
ونقرأ حث النبيّ (ص) الآباء على تعليم أبنائهم قراءة القرآن وبيان أجرهم عند الله سبحانه على ذلك ليكون دافعاً وحافزاً لهم على ذلك. فقد روي عنه قوله (ص):
"... ومن علّمه القرآن دعي بالأبوين فكسيا حلتين تضيء من نورهما وجوه أهل الجنة".
وعلى النهج النبوي تأتي دعوة أئمة أهل البيت – عليهم السلام – لتعلم القرآن والعناية به. فقد روي عن الإمام الصادق (ع) قوله: "ينبغي للمؤمن أن لا يموت حتى يتعلم القرآن، أو يكون في تعليمه"[1].
من ذلك كله نخلص إلى أهمية تعليم الأجيال الناشئة كتاب الله وتربيتها تربية قرآنية ليبنى جيل قرآني بعيد عن الانحراف والخرافة والبدع والمادية الجاهلية، يحمل خصائص جيل الدعوة النبوية وروحه ووعيه.
[1]- الكليني، الأصول من الكافي، ج2، ص603.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق