يقول سبحانه وتعالى: (قُل إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُوني يُحْبِبْكُمُ الله) (آل عمران/ 31)، حبّ الله في الإسلام يعني حبّ المؤمنين بالله، وحبّ الخير للبشرية، وحبّ الخير والكمال فيما يفعل الانسان وفيما يقول ويعايش. يعمل الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) جاهداً على أن يشيد المجتمع على أساس الحبّ والولاء في الله، فيوضِّح للناس هذه الحقيقة بقوله: «ودّ المؤمنِ للمؤمنِ في اللهِ من أعظمِ شُعب الإيمان، ومَن أحبَّ في اللهِ، وأبغَضَ في اللهِ، وأعطى في اللهِ، ومَنعَ في الله، فهو من الأصفياء». ويأتي بيان نبويّ آخر ليعمِّق الحبّ في النفوس، ويقيم لغة التخاطب على أساس الحبّ، فيعلّم المسلم كيف يفصح عن حبِّه لأخيه، ليشيع في نفسه الحبّ، ويشعره أنّه في مجتمع يكتنفه الحبّ، ولا مكان فيه للحقد والكراهية، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «إذا أحبّ أحدكم أخاه، فليُعلِمه إيّاه».
وقد علّم القرآن الإنسان المسلم تطهير النفس من الحقد والغلّ والكراهية لتصفو للحبّ وحده، ففي الدّعاء القرآنيّ: (وَلاَ تَجْعَل فِي قُلُوْبِنا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيم) (الحشر/ 10). والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يبلِّغ أفكاراً نظرية، ولا فلسفة أخلاقية مجرّدة، بل هو حامل دعوة لبناء الإنسان بناءً عملياً. لذا نجده جسّد قيم الحبّ والولاء تجسيداً عملياً حين طبّق مبدأ المؤاخاة بين المسـلمين، فآخى بين كلّ اثنين منهم، وآخى بين نفسه (صلى الله عليه وآله وسلم) وعليّ بن أبي طالب (عليه السلام). فأصبح المجتمع بعد المؤاخاة صورة للحبّ والأخوّة.. وكم تجسّد هذا الحبّ إيثاراً، فقسّم الأنصار أموالهم، قسماً لأنفسهم وقسماً للمهاجرين، وحين تجسّد الإيثار صورة تفيض بالحبّ والمؤاخاة، أثنى الله سبحانه على صورة الحبّ الاجتماعية تلك بقوله: (والذينَ تَبَوّأوا الدَّارَ وَالإِيمانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إلَيْهِم وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمّا أُتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِم وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَاُولئِكَ هُمُ المُفْلِحُون) (الحشر/ 9).
ثمّ يتواصل تيّار الحبّ والمؤاخاة شعوراً وجدانياً، وسلوكاً عملياً لدى الأجيال التالية، فهي ورثت من أسلافها مشاعر الحبّ والاحترام، ولم ترث مشاعر الكراهية والبغض التاريخي. القرآن يصف هذه الظاهرة الاجتماعية الفريدة في عالم الانسان، وذلك الترابط الوجداني المتواصل الذي تنيره العقيدة، وتمدّه العاطفة بالحرارة والحيوية، يصفه بقوله: (والذينَ جَاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا اغْفِرْ لَنا وَلاِخْوَانِنا ا لّذينَ سَبَقُونا بِالإِيمانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلاًّ لِلَّذينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيم) (الحشر/ 10). وظاهرة الدعاء الواردة في الآية هذه، وفي غيرها من الآيات، هي أصدق تعبير لدى مَن يعي ما يقول، هي أصدق تعبير عن الحبّ بين المؤمنين، فلا يدعو الدّاع، إلّا وهو مُحبّ لمن يدعو له بالخير والصلاح. وعلى أساس الحبّ يؤسِّس الإسلام الأسرة، فعلى أساس الحبّ تُبنى العلاقة بين الزوجين، وبين الآباء والأبناء. وأصدق ما يجسِّد هذه الروح هو قوله تعالى: (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِنْ أَنْفُسِكُم أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَوَدَّةً وَرَحْمَة) (الرُّوم/ 21)، وفي بحبوحة الأسرة يتحرّك الحبّ، فيملأ قلوب الأبناء، كما ملأ قلوب الآباء.
إنّ رسـالة الإسلام تدعو الآباء إلى تربية أبنائهم على الحبّ، فالحبّ حاجة نفسـية يؤدِّي فقدها أو نقصها إلى أمراض وحالات نفسية خطيرة، لذا دعا الإسلام إلى التعامل مع الأبناء بروح الحبّ، وإشعارهم بتلك العواطف والأحاسيس، لينشأوا على حبّ الآباء، وحبّ كلّ من حقّه أن يُعامَل بهذه العاطفة.
ويؤكِّد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) على حُبِّ الأبناء ليؤسِّس في النفوس تلك العواطف الجميلة، نذكر من هديه هذا قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي رواه عنه الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): «أحِبّوا الصِّبيان وارحموهم، وإذا وَعدتُموهُم شيئاً ففُوا لهم، فإنّهم لا يَرونَ إلّا أنّكم ترزقونَهم».
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق