حين نتطلّع إلى الجانب الخُلقي من شـخصية الإمام الحسـين (ع) نلمس مدى تفاعله مع الاُمّة بمختلف قطّاعاتها باعتباره قدوتها المثلى، ولا نقصـد بحال أنّ الحسين (ع) يباين سواه من الائمّة (ع) في طبيعة التفاعل مع الجماهير، فإنّ لون التفاعل مع الاُمّة وطبيعته بالنسبة للأئمّة (ع) تحدِّدها رسـالة الله تعالى والّتي يمثِّل الائمّة صورتها التطبيقية في دنيا الواقع. ولكنّنا حين نشير إلى الجانب الأخلاقي من شخصية الإمام الحسين (ع)، فانّما نطرح بعض المصاديق لذلك التفاعل السامي المشرق:
- تواضعه (ع): إنّه مرَّ بمساكين وهم يأكلون كِسَراً لهم على كسـاء، فسلّم عليهم، فدعوه إلى طعامهم، فجلس معهم، وقال: «(لولا أنّه صدقةٌ لاَكَلْتُ معكم) ثمّ قال (ع) : (قوموا إلى منزلي)، فأطعـمهم وكساهم وأمرَ لهُم بِدَراهم». وبمقدرونا أن نكتشف مدى تواضعه وعمقه من خلال هذا المصداق العملي الّذي ذكرناه، إذا أعدنا إلى الأذهان ما يتمتّع به الحسين (ع) من مستوى قيادي في الاُمّة، فهو مرجعها الفكري والقيادي، وإمامها المنصوص عليه من الله ورسوله (ص). ومكانته الاجتماعية لايرقى إليها رجل في عصره قط، حتّى أنّ ابن عباس الصحابي الجليل ـ وهو أسنّ منه ـ كان يمسك له الركاب حتّى يركب فرسه إجلالاً له وإعظاماً. ولعظم منزلته كان الناس إذا التقوا به أثناء مسيره إلى الحج ماشياً، ينزلون عن ركائبهم إجلالاً طالما هو يسير. أقول إنّ إدراكنا لمكانة الحسين (ع) الاجتماعية في دنيا المسلمين، يجعلنا ندرك مدى تواضعه، إذا ألفيناه يتعامل مع أبسط الناس في المجتمع بذلك السلوك الإنساني الرفيع. ومن المصاديق العملية على تواضعه (ع) كذلك، أنّه مرَّ على مساكين يأكلون في الصفّة، فدعوه للطعام، فنزل (ع) وقال: «(إنّ الله لا يحبّ المستكبرين) ثمّ تناول معهم الطعام وقال لهم: (قد أجبتكم فأجيبوني)، قالوا: نعم، فمضى بهم إلى منزله، وقال للرباب: (اخرجي ما كنت تدّخِرين)». وممّا يدل على مدى تفاعله الإيجابي مع الناس، ورعايته لشؤون الاُمّة ما رواه شعيب بن عبدالرّحمان، قال: « وُجِدَ على ظهرِ الحسين بن عليّ يوم الطف أثر، فسألوا زين العابدين عن ذلك. فقـال: (هـذا ممّا كان ينقلُ الجرابَ على ظهره إلى منـازل الأرامل واليتـامى والمساكين)». الأمر الّذي يشـير إلى تواضع منقطع النظير، واهتمام بشـؤون الاُمّة ووعي للمسؤولية وشعور عميق بها لا نظير له.
- عفوه عن المسيء:
ارتكب غلام له ما يستوجب التأديب، فأراد تأديبه، فقال له الغلام: «يا مولاي: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ )، قال الإمـام: (خَلّوا عنه). قال الغلام: (وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ )، فقال الإمام: (قد عفوتُ عنك). قال: يا مولاي (وَاللهُ يُحِبُّ المحْسِنِينَ ) قال (ع): (وأنت حرٌّ لوجهِ الله، لكَ ضعفُ ما كنتُ اُعطيك)».
ما أحوجنا إلى الإمام الحسين (ع) الذي يطال السماء شموخاً لا سيّما وانّه من النوع الإنساني "المشع" الذي يعطي النور لمن حوله وليس من النوع الآخر الذي يستغل كلّ شيء لمآربه وأحلامه. فذكر الإمام الحسين (ع) هو مفتاح لكلّ صلاح، وله القدرة السحرية على استقطاب العواطف وتحشيد الأحاسيس النبيلة التي تحتاجها البشرية في سيرها التكاملي نحو المطلق.. إذن فليس غريباً أن يصبح "حب" الإمام الحسين (ع) واجباً إنسانياً بعد أن حمل أكمل الصفات وتقلد بأسمى النعوت وقدم أفضل العطاء، وما زال شمعة كبيرة في مشكاة الوجود تبقى تتأجج وتتلئلأ على مرّ الدهور، وبعد انّه – بحقّ – رجل كلّ العصور.
حيث كان قلب الإمام الحسين (ع)، يشع رحمةً، ونقاءاً، وصدقاً، فقد جمع الله له من رؤية الحقّ.. ورفعة النفس، فعمل جاهداً على تخفيف معاناة المحرومين، لكي يزرع في قلوبهم الأمل وهذا ما أدركناه..
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق