كثيرة هي الشواهد على فضائل الإمام الرضا (عليه السلام) ومكارم أخلاقه فقد تفوق حد الإحصاء. لقد امتاز الإمام الرضا (عليه السلام) بخُلقٍ عال وسيرة فريدة اجتلب بها محبة الناس، واستهوى بها قلوبهم، وبإنسانية فذة استمدها من روح الرسالة الإسلامية السامية، التي كان (عليه السلام) أحد حفظتها والأُمناء عليها والوارثين لأسرارها، وقد استمدها ميراثاً نقياً يشعّ بالخير والرحمة من جده الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي توج رسالته بشعار مكارم الأخلاق حيث قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق».
ولا تقتصر الثقافة السلوكية في المجال التربوي والتوجيهي مجردة على التوعية الكلامية والممارسات السلوكية، بل تتعدى ذلك إلى فرض الرقابة العملية الدقيقة وملاحظة أخطاء السلوك في المسيرة الحياتية للآخرين، فقد اعترف للإمام الرضا (عليه السلام) بالأفضلية والأعلمية ومكارم الأخلاق والعبادة الأعداء والمخالفون فضلاً عن الأصحاب والأتباع والمؤالفين.
كان (عليه السلام) قليل النوم بالليل، كثير السهر، يُحيي أكثر لياليه من أوّلها إلى الصبح، وكان كثير الصيام، فلا يفوته صيام ثلاثة أيام في الشهر، ويقول (عليه السلام): «ذلك صوم الدهر». وكان (عليه السلام) إذا صلى الغداة وكان يصليها في أوّل وقت ثمّ يسجد فلا يرفع رأسه إلى أن ترتفع الشمس، ثمّ يقوم فيجلس للناس أو يركب ولم يكن أحد يقدر أن يرفع صوته في داره كائناً من كان، وقيل أنّه كان (عليه السلام) يكلّم الناس قليلاً وكان كلامه وجوابه وتمثله انتزاعات من القرآن المجيد، وكان يختمه في كلّ ثلاث ويقول: «لو أردت أن أختمه في أقرب من ثلاث لختمتٍ؛ ولكنّي ما مررت بآية قط إلّا فكرت فيها وفي أي شيء أُنزلت وفي أي وقت، فلذلك صرت أختم في كلّ ثلاثة أيّام».
كان (عليه السلام) يحثّ المؤمنين على التلبس بصفة التقوى، وهي تجنّب معصية الله، وهي صفة جامعة لجميع مراتب الإيمان، ويدعوهم إلى التبصر في المناهي الإلهية والورع عن محارمه تعالى.
أمّا ذكر الله وتسبيحه، فقد كان شغله الشاغل. وقد أكّد على أنّ العبادة ليست بالصلاة والصيام، وإنّما أيضاً بالتفكّر في خلق الله والتأمّل في آياته، واعتبر التفكّر مفتاح العبادة الحقيقية.
كما أكّد الإمام الرضا (عليه السلام) على طلب العلم باعتباره سلاحاً نافذاً يستخدمه المؤمن في التحرّك في ساحة الحياة، وحثّ على بذل الجهد في سبيل تحصيله. ودعا إلى معرفة النفس عن طريق العقل، ومحاسبتها محاسبة شديدة لتنبيهها على التفريق بين الخير والشرّ. وأوصى بالصبر في الحياة، باعتبار تمحيصاً حقيقياً للإيمان، ومفتاحاً للفرج، وهو صبر على طاعة، وصبر عن المعصية، وصبر على ابتلاءات الدنيا ومِحنها.
موعظته (عليه السلام) كانت بالكلمة الطيِّبة، والحجّة البالغة واحدة من أهمّ مظاهر شخصيته الأخلاقية. وكانت القناعة في تفكيره تنزهاً عن لئام الناس، وطريقاً للوصول إلى مرضاة الله سبحانه. وأشار الإمام إلى أنّ العمل القليل الدائم القائم على اليقين والبصيرة، أفضل من العمل الكثير المنقطع. والحقيقة أنّ هذا الرأي يجب أن يكون منهجاً من مناهج العمل الاجتماعي والسياسي في الإسلام وأشار إلى ضرورة تنظيم الوقت وتقسيمه، حتى لا يضيع وقت الإنسان الثمين في أُمور لا تنفع. فالإمام (عليه السلام) كان صاحب منهج الاعتدال والوسطية في كلّ نواحي الحياة.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق