• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

إسراء في مجتمع غريب

نايف جفال

إسراء في مجتمع غريب

لكلّ امرئ من اسمه نصيب، وإسراء نالت نصيبها بالعيش في مجتمع بالي تحكمه العادات والتقاليد المزاجية والسلطوية الرثة والكراهية المقيتة، حلمت بحياة سعيدة ملؤها البهجة والسرور، ورسمت لنفسها درب السعادة وسارت بطموحها لتحقّق ذاتها مثلها كمثل أي شاب أو فتاه في مقتبل العمر لتبحث عن مكانتها الاجتماعية، ولكن شبح التسلط والغرور فاجئها فتحوّلت إلى جثة هامدة في ثلاجات الموتى تنهشها ألسنة العار التي لا زالت تحاول تشويه صورتها، لتبقي عرش العار شامخاً في مجتمع يستقوي على الضعفاء ويسهم في أبقاء الفاسدين والظالمين.
إسراء غريب شابة فلسطينية في مقتبل عمرها تقدّم لخطبتها شاب وبعد الموافقة عليه من قبل العائلة، قرّرت التقرّب منه للاطمئنان على مشروع العمر الذي تسير فيه، وبعد خروجها معه وبمرافقة شقيقة خطيبها حصلت الكارثة وضاجت عائلتها وقتلتها بدم بارد تحت مسميات الشرف والعار، لا لشيء سوى خروجها مع خطيبها لمكان عامّ للتحدّث في مستقبلهم المشترك وبهذا تتلخص قصّتها كاملة دون انتقاص.

 إسراء نموذج للضحية المجتمعية التي تكالبت عليها ذكورية الضعفاء، وغيرة النِّساء وضعف المؤسّسات الفاعلة في الأرض الفلسطينية، تحت عباءة العيب التي تسيطر على مجريات حياة أغلب النساء، بدعم وإسناد قاتل من المرأة والرجل على حدّ سواء، فالذكورية وحدها لا تتحمّل المسؤولية، فالثقافة السائدة أنّ المرأة ضعيفة وخانعة تتعذى من خلال المرأة نفسها في البيت والمدرسة، وتمييز الأطفال الذكور عن الإناث أكبر دليل على إبقاء شبح العار يحلق في سماء الوطن مرتبطاً في الأنثى، فإسراء كانت لقمة سهلة في فم قريبتها التي قامت بصنع الكارثة بالضرب على وتر العادات والتقاليد، وتأليف سيناريو يستحضر جهل وعنجهية وذكورية أخوتها وأقربائها لكي يحاسبوها تحت شعار الدم ولا العار، وخلق قصص وهمية وتبلي على الضحية لتبرير فعلهم الإجرامي، والظهور بمظهر المدافع عن النفس والباحث عن استقرار العائلة والمحافظة على صيتها وسمعتها.

وهذا ما يطرق جدران الخزان للبحث عن قوانين حامية للمرأة ورادعة لعنجهية وغباء المجتمع، فالأساس يبدأ من تعديل القوانين المجحفة بحقّ المرأة انطلاقاً من تعديل المناهج الدراسية والأخذ بإبراز حقّ المرأة ودورها ومكانتها ومساواتها في الحقّ والواجب دون انتقاص، فكارثة أن نكون في مرحلة تحرّر ونحيد النصف التربوي من نضالنا ومسيرنا تحت حجة العفة والشرف، فالشرف والكرامة شأن إنساني للفرد لا يحفظ بالضرب والإهانة والقتل، فمصيرنا كفلسطينيين مرتبط بوحدتنا والوحدة لا تقوم على جنس دون الأخر مهما اختلفت الديانات والتلاوين الفصائلية فالمرأة لها مكانتها وأثبتت ذاتها ولها الحقّ في التشريع والتنفيذ والمحاسبة وعدا عن ذلك سنبقى في وطن يحكمه الضياع والتلف والإشاعة، ونبقى في سيناريو متجدّد من الإرهاب المنظّم ضد المرأة.

ارسال التعليق

Top