اعتبر الإسلام طلب العلم فريضة على كلّ مسلم، وعلى المستويين: المستوى العيني، والمستوى الكفائي. حيث اعتبر التعلم بمختلف فروعه، طريقاً الى إكمال إنسانية الإنسان، والإيمان بالرسالة الإلهية، ومعرفة الله تعالى، والاستقامة السلوكية، وبناء المجتمع، وتنظيم الحياة، جاء ذلك واضحاً في قوله تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) (فاطر/ 28). ويقول تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) (المجادلة/ 11). وأيضاً في قوله تعالى: (اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) (العلق/ 3-5). وكما أسس القرآن الدعوة الإسلامية على أساس العلم والمعرفة، ونادى بإقامة الإيمان على أساس العلم والدليل والبرهان، واصلَ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الدعوة إلى طلب العلم، والحثّ عليه، ومارس هو (صلى الله عليه وآله وسلم) نشر العلم والمعرفة، حيث طلب (صلى الله عليه وآله وسلم) من أسرى قريش في بدر، أن يعلّم كلّ واحد منهم عشرة صبيان من أبناء المسلمين، كفداء لهم من الأسر، ليوحي بأنّ الفك من أسر الحروب يعادله الفك من أسر الجهل.
وكم نقرأ في الأحاديث والأوامر والإرشادات النبويّة الكريمة، الحث والالتزام بطلب العلم، منها قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «طلب العلم فريضة على كلّ مسلم». ومنها: «إنّ الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم». وأيضاً: «مَن سلك سبيلاً يطلب به علماً، سلك الله به سبيلاً إلى الجنّة». وفي مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) الفكرية، شقّ الإمام الصادق (عليه السلام) العلوم بفكره الثاقب وبصره الدقيق، حتى ملأ الدنيا بعلومه، وهو القائل: «سلوني قبل أن تفقدوني فإنّه لا يحدّثكم أحد بعدي بمثل حديثي». ولم يقل أحد هذه الكلمة سوى جده الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام). وأدلى (عليه السلام) بحديث أعرب فيه عن سعة علومه فقال: «والله إني لأعلم كتاب الله من أوله إلى آخره كأنّه في كفي، فيه خبر السماء وخبر الأرض، وخبر ما كان، وخبر ما هو كائن، قال الله عزّ وجلّ: (فيه تبيان كلّ شيء)». وقد كان من مظاهر سعة علمه أنّه قد ارتوى من بحر علومه أربعة آلاف طالب وقد أشاعوا العلم والثقافة في جميع الحواضر الإسلامية ونشروا معالم الدين وأحكام الشريعة.
من تلك وأمثالها من البيانات والممارسة، نكتشف أهمية العلم، وطلبه في الإسلام، ويتضح لنا الاهتمام بعلوم الحياة، كالطب والهندسة والفيزياء والزراعة والكيمياء، ومختلف المهن والصناعات، إذا عرفنا أنّ الشريعة الإسلامية اعتبرت تلك العلوم والصناعات والمهن، من الواجبات الكفائية، أي يجب توفيرها بقدر الكفاية، نعرف أهمية العلم، وهدف الإسلام العملي من تحصيل العلوم.
وتتولى الدولة، كما يتولى الأفراد تنفيذ هذا الواجب، وذلك يعني إعداد الأفراد وتأهيلهم علمياً، وتدريبهم على الخبرات والحرف والمهن المختلفة، لتوفير الكفاية الاجتماعية من تلك العلوم والصناعات والمهن والحرف. ويزداد حث الإسلام الآباء على تعليم أبنائهم، والرفق بهم، وحل مشاكلهم، ومن الواضح أنّ للأُسرة دوراً كبيراً في توفير الاجواء المناسبة لتعليم الأبناء، وتشجيعهم على طلب العلم حتى مرحلة التأهيل الكافي، وتجنيبهم أصدقاء السوء، الذين يساهمون في إرباك الاستمرار الدراسي، كما تستطيع الأُسرة، بالتعاون مع المدرسة، حل مشاكل الأبناء الدراسية.
ومما ينبغي الاهتمام به، هو توعية الطلبة عن طريق المقررات الدراسية وأجهزة الإعلام على أهمية الدراسة، وتشجيعهم على الاستمرار حتى إكمال المراحل الدراسية، وتعريفهم بالأسباب التي تعيق مواصلة الدراسة، وإعطاؤهم النصائح والإرشادات الكافية، لإنقاذهم من الهروب من الدراسة. كما يجب على الدولة أن تساهم مساهمة فعّالة في التعليم، وفي حل مشاكل الطلبة الاقتصادية التي تضطرهم لترك الدراسة.
إنّ الشاب مدعو إلى التفكير بوعي في الحرص على مستقبله، وإنّ مواصلة الدراسة والعلم واكتساب المهارات والخبرات، والتأهيل المهني مسألة أساسية في حياته، يجب عليه أن يهتم بها، وليكن أكثر الناس حرصاً على مستقبله، وعليه أن يجعل الآخرين الذين خسروا مستقبلهم ودراستهم عبرة له، ولا يكون هو ضحية الأخطاء.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق
تعليقات
فضيلة
اشكركم على كل هذه المواقع