• ٢٤ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٢ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

آثار صلاة الجماعة على الصعيد الاجتماعي

عمار كاظم

آثار صلاة الجماعة على الصعيد الاجتماعي

حثّ القرآن الكريم على صلاة الجماعة في قوله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) (البقرة/ 43) حيث تدعو هذه الآية الشريفة لصلاة الجماعة (وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) أي صلوا مع المصلين في المسجد جماعة. أمّا الأحاديث التي أكّدت فضل صلاة الجماعة وحثَّت عليها، فهي كثيرة، بل عكست بعمق دعوة المسلمين إلى عدم الاستخفاف بها.. فقد ورد في الحديث: «مَن مشى إلى مسجد يطلب فيه الجماعة، كان له بكلّ خطوة سبعون ألف حسنة، ويُرفع له من الدرجات مثل ذلك، فإن مات وهو على ذلك، وكّل الله به سبعين ألف ملك، يعودونه في قبره، ويُبشّرونه، ويؤنسونه في وحدته، ويستغفرون له حتى يُبعث». وفي الحديث أيضاً: «إنّ الله يستحي من عبده إذا صلّى في جماعة، ثمّ سأله حاجة، أن ينصرف حتى يقضيها». وفي حديث آخر: «‏مَن توضّأ في بيته فأحسن الوضوء، ثمّ أتى المسجد، فهو زائر الله، وحقّ على المزور أن يكرم الزائر‏». وقد أشار الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) إلى فوائد صلاة الجماعة بقوله: «مَن أدام الاختلاف إلى المسجد أصاب إحدى ثمان: آية محكمة، وأخاً مستفاداً، وعلماً مستطرفاً، ورحمة منتظرة، وكلمة تدلّه على الهدى أو تردّه عن ردى، وترك الذنوب حياءً أو خشيةً». ومن جهة أُخرى نهت النصوص الدينية عن ترك صلاة الجماعة من غير علة، فقد رُوِي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال: «مَن ترك الجماعة رغبة عنها وعن جماعة المسلمين من غير علة فلا صلاة له»، وقال الإمام الصادق (عليه السلام): «مَن لم يُصَلِّ في جماعةٍ فلا صلاةَ له بين المسلمين؛ لأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لا صلاةَ لِمَن لم يُصَلِّ في المسجدِ مع المسلمين إلّا من عِلَّةٍ».

لقد صاغ الإسلام العبادات في الشريعة بطريقة ترتقي فيها العبادة تقرُّباً إلى الله كلّما زادت من منسوب تقرُّبك من أخيك وجارك والناس من حولك... فالله ربط التعبّد له ببناء العلاقات السليمة والصحّية داخل المجتمع، وجعل من العبادة منصّة تنمية اجتماعية مستدامة. إنّ كلّ العبادات في الإسلام ليست سلوكيات منفصلة ومعزولة - على سبيل المثال الصيام - الذي هو بطبيعته عبادة فردية ـ حجز الطعام عن جسدك أنت ـ إلّا أنّه تدريب على فتح كوّة في جدار الأنانية الفردية: «... إنّما فُرِضَ الصيام ليستوي به الغنيُّ والفقير، وذلك لأنّ الغنيّ لم يكن ليجدَ مسّ الجوع فيرحم الفقير، فأراد الله سبحانه أن يُذيق الغنيّ مسّ الجوع ليرقّ على الضعيف ويرحم الجائع». هذا هو البُعد الاجتماعي في الصيام الذي يساهم في ردم الهوّة المعيشية بين الناس.

إنّ التنادي لصلاة الجماعة والحرص عليها، كفيل بأن يبقي المجتمع المؤمن متراصّاً، فهي مظهر من مظاهر التماسك الاجتماعي، ومؤشر على وجود الروح الجماعية عند أفراد المجتمع، وهذا ما يؤدِّي بدوره إلى تعاظم الحالة الدينية، وتقوية الالتزام الديني بين الناس، وهو ما يخلق بيئة اجتماعية صالحة ومؤثِّرة على المحيط الاجتماعي، وكلّما زادت مساحة البيئة الاجتماعية الصالحة ساهم ذلك في تنمية الالتزام بقيم وتعاليم الدِّين وأخلاقه. الإنسان كائن اجتماعي، يحتاج إلى أن يَدعم وأن يُدعَم، وأن يَرحَم وأن يُرحَم، وأن يتواصل ويستمع ويفضفض، ويحتاج إلى مَن يبتسم في وجهه ومَن يدعو له، كلّ هذا ينعكس حالات إيجابية داخل النفس، ويؤمِّن التوازن ويبعد القلق والتوتر.. والصلاة هي خير نادٍ لتأمين هذه الحاجات.

وأخيراً، فإنّه من التوفيق للإنسان المؤمن حضور صلاة الجماعة والمواظبة عليها وخصوصاً في يوم الجمعة فلا تحرم نفسك منها، ومن بركاتها وآثارها وثوابها وفضلها وخيرها، وإياك والتغيُّب عن حضورها تحت أي عذر وهمي أو وسوسة شيطان أو تثبيط مثبط عنها.

ارسال التعليق

Top