والإسلام الذي استوفى جميع مقومات الأجساد والأرواح لم يغفل الآداب التي يجب أن يسير عليها أتباعه فوفاها حقها من الرعاية التي تنم عن كمالٍ في الذوق وسمو في الشعور.
ومن الآداب التي سنّها: الاستئذان والتحية، وهما اليوم من خلال التي تعد من مميزات أهل المدنية فتراهم يحصرون عليهما. ولا يتسامحون فيهما، والإسلام قد سنهما لأهله منذ أجيال كثيرة جاء في القرآن: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) (النّور/ 27-28).
أمر الله المؤمنين بأن لا يدخلوا بيوتاً ليست لهم إلّا بعد أن يطلبوا الأذن من ساكنيها ويسمح لهم بالدخول وبعد أن يلقوا تحية السلام على ساكنيها، فإن لم يجدوا في هذه البيوت أحداً فلا يدخلوها حتى يجيء من يسمح لهم به، وإن لم يسمح لهم وطلب منهم الرجوع فليرجعوا فإنّ ذلك أطهر لنفوسهم، والله مطلع على أحوالهم.
رد التحية: وإذ شرّع الإسلام الاستئذان والتحية نراه من جهة أخرى يحض على رد التحية، لأنّه ليس هناك صفة معيبة تثير العداوة بين الأفراد مثل عدم رد التحية، ولا يكتفي الإسلام من اتباعه برد التحية بل يأمر بردها بأفضل منها، وهذا نهاية في السمو الأدبي الذي يأمر به الإسلام متبعيه قال الله تعالى: (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا) (النساء/ 86).
هذا هو أدب القرآن الذي لم يغفل أيّة ناحية ترقي الأُمّة وتهذب من أخلاقها إلّا وحضّ عليها.
الكلامُ الحَسَن:
إذا تتبعت المشاكل الخطيرة والتافهة التي تنشأ في محيط الأسرة والمجتمع رأيت مصدرها في كثير من الأحيان الكلام السيء الذي يصدر عن المرء بدون روية ولا تفكير فيقع عند الغير موقع الاستهجان، وكثيراً ما يولد منازعات لا داعي لها.
فالكلام الحسن مصدرٌ عظيم للنجاح وسبب في تكوين مجتمع راق، لهذا عُني به المربون والمصلحون، ودعوا إلى حسن مخاطبة الغير ومراعاة اللهجة اللينة، فاختيار الكلام الحسن اللين يجعل الإنسان محبوباً في بيئته وسبباً للترقي في مجال عمله وللحصول على أصدقاء كثيرين يقدمون له كثيراً من المعونة في مجال هذه الحياة، لهذا دعا الله إلى الكلام الحسن بقوله:
(وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ) (الإسراء/ 53).
يأمر الله المؤمنين في هذه الآية بأن يقولوا في مخاطباتهم ومحاوراتهم الكلام الحسن فإن لم يفعلوا ذلك واختاروا الكلام السيء فإنّ الشيطان يفسد بينهم فيقع الشر والخصومة.
ويقول الله تعالى في موضع آخر: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) (البقرة/ 83).
ويأمر الله بخفض الصوت لأنّ ذلك من امارات الكلام الحسن، ويشبه الصوت المرتفع بنهيق الحمير للتنفير منه: (وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) (لقمان/ 19).
ويدعو الله إلى البشاشة عند معاملة الناس ومخاطبتهم، وينفر من الغلظة معهم فيقول مخاطباً نبيه محمّداً: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) (آل عمران/ 159).
والمعنى: بسبب الرحمة التي أنزلها الله عليك يا محمّد عاملت قومك بالرفق ولو كنت فظاً شرس الأخلاق في القول والعمل لتفرقوا عنك ونفروا منك. وهذا إرشاد للمؤمنين يبين لهم أنّ المعاملة الكريمة والقول الحسن من الضروريات عند الأنبياء وقادة الأُمم لتجتمع القلوب حولهم فيكونوا مسموعي الكلمة في قومهم.
هذا هو الأدب القرآني في معاشرة النّاس لإقرار المودّة فيما بينهم، وهو فيما نرى لا غنى عنه لكلّ جماعة تبتغي السلام والسعادة في هذه الحياة. ►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق