• ٢٣ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢١ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

متى يتميز المدير؟

متى يتميز المدير؟

◄من البديهي أن يكون المدير هو المسئول عن إدارة العمل وإدارة مَن يقومون بالعمل، أو بالأصح المحرك الحقيقي لإنجاز العمل بكلّ فعالية ونجاح، لذا فالمدير المتفهم لعلاقة الإدارة بالعاملين تحت إدارته من الطبيعي أن تكون مؤسّسته أو إدارته ذات عطاء متميز.

فلا يمكن تحقيق الأهداف دون مساعدة ومساندة العاملين مع المدير، ولا يمكن تطبيق الإدارة بالتركيز فقط على الإشراف والسيطرة، ويجب على المدير أن يعتمد على القبول عوضاً عن السيطرة والتسلط، وتقبل الآراء والاختلاف في المفهوم والرؤية.

إنّ أسلوب تركيع الموظف لأوامر وتوجيهات بعيدة عن الإقناع والحوار وتقبل الأفكار سوف يخلق موظفاً غير مبدع ولا يشغل فكره بالتطوير، وهذا سوف يسبّب تخلفاً في إدارة هذا النوع من المدراء ويخلق بالتالي موظفين كثيري التذمر قليلي الإنتاج من ناحية النوعية والكمية.

وجيل الموظفين الحالي ذوي الإمكانات التقنية العالية واتّساع خبراتهم وحاجتهم للعمل والإبداع فيه، يجعل القيود المفروضة من مدير تقليدي ذي مركزية متخلفة وأفكاراً غير قابلة للنقاش أو الحوار يجعل هذا الموظف يفقد كثيراً من إبداعه ونوعية إنتاجه وينعكس ذلك على حسن أداء هذه الإدارة وموت الطموح بها وخلوها وتسرب الخبرات منها التي هي شريان الحياة للإدارة الناجحة.

من الطبيعي أنّ لكلّ إدارة رئيس ومرؤوسين، فالمرؤوس دائماً ينظر لرئيسه بعين التطلع لانعكاسات معاملة هذا المدير، فالمدير الحكيم يجب أن يعامل مرؤوسه كمساوٍ له وليس بالتعالي وإشعار المرؤسين بالدونية، ويجبرهم على التصنع والنفاق، وفرض سلطته للحد من حرّية وخيارات مرؤوسيه في أتفه الأُمور، وعكس ذلك سيخلق جوّاً من العطاء الراقي فيه من الاندفاع والإنتاج المتميز.

إنّ ضغوط العمل تكثر وتتركّز في المرؤوسين، فهم المسئولون عن الدراسات والإنتاج والبحث وجميع ما يخص العمل ليسكب في طبق أنيق لتقديمه للمدير كعمل متكامل، فإن كان للمدير وجهة نظر أو توجيه مخالف، فإنّ أسلوب المدير في الحوار والمناقشة هو الذي سوف يجعل هذا العمل يسير من حسن إلى أحسن، وإن كان أسلوب الأوامر الصارمة غير القابلة للنقاش فإنّ الضغوط سوف تزداد على المرؤوسين ممّا يؤثِّر على نوعية العمل، لذا فالمدير الناجح الذي يستطيع أن يخلق جوّاً من الراحة وإشعار الموظف بالاحترام والتقدير لما يبديه حتى وإن لم يتوافق مع توجيهات المدير، ولكن بالحوار والمناقشة الراقية سوف يتقبل المرؤوسون أي توجيه مخالف لأفكارهم ومعطياتهم وكما قالوا: "فإنّ معرفتنا هي الأفكار والخبرة المتجمعة من عقول لا تعدّ".

نعم هناك مدراء حاصلون على مستويات عالية من الشهادات الجامعية ولديهم خبرات واسعة ولكن يتسمون بالقسوة والشراسة في علاقاتهم مع مرؤوسيهم، ولا تكون هناك فائدة ممّا تعلَّموه لعدم تقبّل الطرف الآخر لمدير لا يحترمه في داخله، ومن ثمّ فعلى هذا النوع من المدراء البحث عن الكُتُب والنشرات التي تبحث في علم الإدارة وحُسن التعامل.

وقد وردت عادات سبع للقادة الإداريين في كتاب (ستيفن كوفي) واختار خمس نقاط مهمّة واعتبرها الذخيرة والتمويل لنجاح واستمرار تألق المدير وإذا خسر أو ضعف بعضاً منها فإن تميّز هذا المدير سوف يبدأ في الانحدار جارفاً معه المتميزين من المرؤوسين، وهذه العادات هي:

1- معرفة وفهم الآخرين الذين تحت إدارتك وتصرّف معهم كما تحبّ أن يتصرّفوا معك.

2- أخذ الأُمور الصغيرة بعين الجد والانتباه لها فالتشجيع والملاطفة مهمّة جدّاً في خلق بيئة الهدوء والوئام في العمل بعكس القسوة والخشونة والصلف والغرور وإن كانت قليلة فإنّها تنقص المخزون للتميز في حسن الإدارة الذي سوف ينعكس على نوعية وكمية الإنتاج.

3- عدم الوضوح في أهداف وتوقعات القائد سوف تدمر الثقة مع المرؤوسين، حيث سوف يكون جهدهم واجتهادهم في وادٍ والقائد في وادٍ آخر.

4- النزاهة والالتزام بالوعود والاستقامة الشخصية، ليتطابق الواقع مع كلام وتوجيهات القائد والعكس صحيح، وهذا عامل مؤثِّر لخلق القدوة الحسنة وزرع المبادئ الفاضلة.

5- إظهار الاعتذار عند خطأ القائد، فهذه قوّة تزيد من رصيد تميز القائد فمن المعلوم أنّ الضعفاء دائماً يصبغ عليهم الشراسة والقسوة، ليخفوا ضعفهم الذي يمنعهم من الاعتراف بالخطأ والاعتذار منه.

القائد أو المدير يضع إستراتيجية العمل، ثمّ يشجِّع على تقبّل المبادرات من المرؤوسين ويدعهم يتعاملون مع كيفية ونوعية الإنتاج، ليتطابق مع الإستراتيجية الموضوعة، وعلى المدير الإصرار على الاطلاع على توصياتهم وعدم السماح لهم بسؤاله عن قراره، وهذه الطريقة الناجحة لتدريب الموظفين ليقوموا بالعمل بدون تدخل المدير في كلّ صغيرة وكبيرة، فالمفروض أن يتفرّغ لأعمال وإنجازات أكبر وأهم، وإعطاء مزيد من الفرص للموظفين وتشجيعهم على الابتكار وتحسين الإنتاجية في العمل ويرتكز ذلك على الثقة المتبادلة بين المدير والمرؤوسين سيدفعهم إلى المناقشة وطرح الأفكار بكلّ إخلاص، وإتاحة هذه الفرصة والعلاقة الراقية بين المدير والموظف سوف تجعل العمل والفكر الجماعي من مميزات هذه الإدارة الناجحة، ويجب أن لا ننسى مقولة (نابليون بونابرت): "ليس هناك جنود سيئون، بل هناك قادة سيئون".

إنّ من الأُمور الخطيرة التي يتّخذها بعض القادة أو المديرين هو القفز على الموظفين والمساعدين في اتّخاذ القرارات التي تمسهم والمفروض أن يكون هناك مبدأ المناقشة حتى ولو يرى القائد أنّهم ليسوا مؤهلين لإضافة أي شيء لتوجيهه، وعدم مشاورتهم ونقاشهم سوف يجعلهم يعملون ضد هذا التوجيه أو أضعف الإيمان لن تجد منهم تشجيع هذه التوجيهات أو القرارات، وهذا سيشعرهم بعدم الاهتمام بهم أو احترامهم لينعكس نفس الشعور على المدير من قبل مرؤوسيه، فمن المهم طرح الحوار والمناقشة في القرارات التي تمس الموظف وهذا يدلّ على حُسن الإدارة والحكمة وهي من رموز قوّة القائد.

من الطبيعي أنّ الموظف يطمح إلى التقدير والاهتمام من رئيسه، وهنا من المهم للمدير الناجح عدم تجاهل هذه النقطة، فالمدير الذي بليت به إدارة معينة سوف يعمل على تجاهل الموظف ويشعره بعدم الاهتمام ممّا سوف يدمر طموح ونوعية عمل الموظف، فكلّما كان هناك تشجيع واهتمام وشكر وتقدير كانت حافزاً إلى مزيد من الفعالية والاندفاع للموظف وهذه أيضاً من رموز قوّة القائد.

من الحكمة بث مبدأ التشجيع وحفّز الموظفين لطرح مقترحاتهم، فمن البديهي أن يكون بعض الموظفين لديه من الأفكار والمهارات التي لا يستطيع المدير الإتيان بها، فاستخدام جميع العقول والأفكار وعدم تعطيلها سوف يكون العامل الرئيس في نجاح وتميز المدير، ونعلم أنّ كلّ موظف يجب أن يبرز باسمه وعمله حتى لو في أضيق الحدود أمام المدير وأن يشعره المدير بأنّ هذا العمل والإنتاج عائد له ومشكور على أدائه، فهذا التصرّف من المدير دليل على حنكته الذي لن ينقص من سلطته شيء.

إنّ النقد الهادف البنّاء هو من سمات المدير المتميز، فإذا استخدم النقد بطريقة بنّاءة فإنّ الموظف سيتقبل ذلك بخلق رياضي وينقله من مرحلة الضعف إلى التميز والإبداع وسيبث في الموظف الكسول الاجتهاد والنشاط.

بعكس النقد الهدّام المبني على التقريع والتوبيخ الذي سيقتل في المجتهد اجتهاده ويحبط كلّ إبداع وتميز ويخلق الكراهية المبطنة وعدم تقدير هذا المدير في داخل سريرة الموظف، والانتقاد والتوجيه مطلوب من المدير إذا أحسن اختيار الزمان والمكان والكيفية التي ينتقد بها، فإذا كان الانتقاد سريع وقت وقوع الحدث، فهو ممتاز بشرط أن لا يكون للتسرع سلبية في انتقاء الألفاظ وإلّا على هذا النوع من المدراء التريث في الانتقاد، حيث هذا سيجنّبه الأسف على ألفاظ تلفظ بها ليس من الواجب قولها ولا تليق بمكانة المدير أمام موظفيه وستخلف الاستهجان والكره لهذا المدير، ومن الطبيعي سيكون هذا النقد معول هدم لا إصلاح، حيث التريث إلى يوم آخر أو إعطاء فرصة أخرى لهذا الموظف الكسول أو المخطئ سيساعد على تحوّل الانتقاد إلى دروس تعليمية وتوجيهية من المدير المتميز. شيء طبيعي أن لا يحبّ أي إنسان العمل مع أُناس متغطرسون لا يحترمون رأي الآخر، فالمدير في النهاية هو الذي يتّخذ القرار وله الفصل، ولكن احترام آراء الآخرين هو تميز وسمو لهذا المدير في الإدارة الناجحة.

ومن الضروري الاستماع للآراء وبث كلمات الإطراء والشكر حتى بين الموظفين أنفُسهم، فيطلب من الموظف الأعلى شكر من تحته ونقل رضاه وشكره للموظف المتميز، وإشعار الموظفين بهذه الطريقة أنّ المدير يحبّ شكر غيره والامتنان لهم على الجهد والتميز لأنّه في النهاية تميز له.

وفي الختام أرى أنّ المدير ليس من منح المنصب وتربع على كرسي إدارة ما، ووضع تحت إمرته ومسؤوليته عمل وبشر، إنّما المدير مَن تقلد منصب المدير وأداره بكلّ جدارة وسلامة وكسب التميز في الإنتاجية وحبّ وارتباط غيره به، وخلَّف بعد رحيله منظمة متكاملة وعمل متميز مع كوادر مدرّبة نشيطة تعشق التميز والاجتهاد ►.

 

المصدر: كتاب 80 خطوة لتصبح مديراً ناجحاً

ارسال التعليق

Top