نعرض باختصار أهم عناصر الرقي في الإدارة اليابانية وبالتالي للتقدم الياباني الذي أثار إعجاب الكثير. هذا ما يتعلق بالمؤسسات والمصانع العامة، أما المعامل الخاصة فأغلبها معامل صغيرة تقتصر على أعضاء العائلة فقط، وتناط إدارة هذه المعامل برب العائلة الذي يمتاز بطول الخبرة والكلمة المسموعة عند جميع أعضاء العائلة وهي عناصر مهمة لنجاح المؤسسة حتى لو كانت صغيرة.
- اتخاذ القرار بصورة جماعية:
خلافاً لما هو موجود في الغرب حيث أنّ القرار يتخذ في المستويات العليا ويتم أيضاً بمشورة مجموعة صغيرة من المنفذين، فإن جميع الأفراد في اليابان يشتركون في عمل الإدارة بمناقشة المشاريع واتخاذ القرارات اللازمة بشأنها، فقبل أن تشرع الشركة في تنفيذ مشاريعها يقوم العاملون بدراسة المشروع بصورة كاملة حتى بدون أن يعرفوا رأي الإدارة فيه، يبحثون في المشاكل التي قد تعيق تنفيذ المشروع وطرق معالجتها فلا يبدؤون بالعمل إلا بعد أن يحيطوا بالمشروع إحاطة تامة وكاملة فعند التنفيذ سيجدون سهولة في إنجاز المشروع، ويجدون القدرة على حل أيّة معضلة قد تعترض سبيلهم لأنّهم قد درسوا كل الاحتمالات ووضعوا الحلول اللازمة لها. وبناءً على ذلك فإنّ أي تعثر في العمل لا يحدث نتيجة لهذا العامل المهم الذي يعطي العاملين فكرة مفصلة عن عملهم، وعن مشكلات العمل وما شابه ذلك.
- التوظيف مدى الحياة:
أغلب الموظفين والعاملين في اليابان يعيّنون في وظائفهم مدى العمر، كما وأنّ مرتباتهم الشهرية تعطى لهم على أساس سني الخبرة. فمرتباتهم تتضاعف كل (15) عاماً، كما وإنهم يصلون سنّ التقاعد عندما يبلغون الخامسة والخمسين من العمر، وعندما تكون المؤسسة في حاجة إلى خدماتهم فإنّهم يبقون في الخدمة فيمنحون حينذاك ثلثي راتبهم الشهري فالوصول إلى درجة المدير لا يحصل إلا لمن بلغ سن 45 سنة. وعندما يدخل الوظيفة يشعر بأنّه باق فيها إلى آخر حياته العملية، ولهذه الحالة الإدارية تأثير كبير على عمله وحياته في داخل المؤسسة، فهي تزيل عنه مخاوف البطالة، كما وأنّ جلّ تفكيره وعبقريته سيصبه في عمله الذي سيستمر معه فينجم عن ذلك تفاعل العامل مع عمله وإبداعه فيه وتخزين تجربته في الميدان الذي يعمل فيه. فلا يحدث مثلاً انتقال المدير إلى مكان آخر إلا في النادر لأنّ ما يحصل عليه في المؤسسة من مكافآت يبرر عدم انتقاله إلى مكان آخر.
- التعليم والتدريب المستمران:
يتلقى العاملون اليابانيون سواء كانوا موظفين أو عمالاً أو مدراء التعليم المتواصل والتدريب اللازم للعمل الذي ينجزونه طيلة بقائهم في المؤسسة.
فالتعليم والتدريب المتواصلان سيرفعان من مستوى أداء العامل الياباني والذي سينجم عنه زيادة في الإنتاج وتقدم في نوعية المنتوج.
والملاحظ أنّ الدول الأوربية تستعين بالتعليم والتدريب في المؤسسة لكن حين انتقال الموظف من درجة إلى درجة أعلى، أو عندما يريد الانتقال من وظيفة لأخرى.
- الإدارة الأبّوية:
إحدى وظائف المدراء في اليابان تربية وإعداد مدراء المستقبل، فكل المدراء يجب أن يشرعوا في المستويات الدنيا ثمّ يتسلقوا السلالم الإدارية حتى يصلوا القمة ليصبحوا مدراء للمؤسسة لهذا فإنّ الشهادات الجامعية العالية لا معنى لها في اليابان، فالفرد يتعلّم في الجامعة، ولا عجب أن يكون رئيس وزراء اليابان (تاناكا) حاصلاً على الشهادة القانونية العامة فقط.
على أي حال في السنين العشرة الأولى من عمل الموظف يقوم بانجاز الأعمال الإدارية غير الرسمية وهي التي أطلق عليها (God Father) فيصبح مديراً غير رسمي، أي أنّه يقوم بأعمال الإدارة تحت إشراف المدير، فيسمع شكاوى الموظفين، وله صلاحية نقل الموظف من مكان لآخر، كما وأنّه يقوم بإعطاء الموظف درجة أعلى ليصبح بالمستوى الذي يناسبه.
ومن أبرز سمات (الإدارة الأبوية) التعامل الأبوي للمدير مع عماله وموظفيه، فهو يتعامل معهم كما يتعامل الأب مع أبنائه فيشملهم بعطفه، حتى أنّه يساهم في حل مشكلاتهم العائلية كالزواج وما شابه ذلك، ومشاركتهم في اختيار الزوجة المناسبة.
ويشير (سابورو أوكيتا) إلى عامل التضحية عند الموظفين، ويذكر مثالاً على ذلك، وافق الموظفون والمدراء في شركة (مازدا) عام 1970 وشركة برانيف عام 1980م عند تعرضهما للخسارة، وافق العاملون على تحمّل قسط من هذه الخسارة فقد تنازل موظفو شركة (مازدا) عن 50% من رواتبهم ومكافآتهم كما وافق موظفوا شركة برانيف للطيران على اقتطاع 90% من رواتبهم لسد العجز في الشركة.
- حقل الماس:
أحداث القصة تدور حول مزارع ناجح عمل في مزرعته بجد ونشاط إلى أن تقدم به العمر.. وذات يوم سمع هذا المزارع أن بعض الناس يسافرون بحثاً عن الألماس.. فباع حقله وانطلق باحثاً كالآخرين عن الألماس.
ظل المزارع يبحث عن الألماس طيلة ثلاثة عشرة عاماً.. ولكن كل محاولاته باءت بالفشل.. ولم يجد شيئاً حتى أدركه اليأس من تحقيق حلمه فما كان منه إلا أن انتحر...
غير أنّ المزارع الجديد الذي كان قد اشترى حقل صديقنا المزارع بدأ يعمل بجد ونشاط في حقله.. فقام باقتلاع الأعشاب الضارة.. وقام بغرس شجيرات جديدة.. وخلال فترة وجيزة أصبح الحقل من أغزر حقول المنطقة إنتاجاً.. وفي أحد الأيام وبينما هو يعمل في حقله.. وجد شيئاً يلمع.. ولما التقطه فإذا هي قطعة ألماس صغيرة.. فتحمس أكثر وبدأ يحفز وينقب فوجد ثانيه وثالثة.. ويا للمفاجأة فقد أكتشف تحت هذا الحقل منجماً من الألماس.
- المغزى من هذه القصة:
أن يبحث كل واحد منا في داخله... أو من حوله، فحتماً أنه سيجد الكثير من النعم التي أنعمها الله عليه، تلك التي يمكن استثمارها بشكل أفضل...، فتحقق له الثراء والنجاح.
إن أحد أهم الفوارق بين الإنسان الناجح... والإنسان الفاشل، هو قدرة الإنسان الناجح على رؤية فرص جديدة من حوله فيحسن استثمارها.
المصدر: كتاب وسائل قوية لشحذ الذاكرة
ارسال التعليق