◄لاشكّ أنّ الأخلاق قابلة للتقويم، واكتساب الجيد منها والتخلي عن القبيح وبالعكس. بدليل أنّ الشرع أمر بالتخلق بالأخلاق الحسنة، ونهى عن التخلق بالأخلاق القبيحة، فلو لم يكن ذلك ممكناً ومقدوراً للإنسان لما ورد به الشرع. فالإسلام لا يأمر بالمستحيل وعلى هذا فإنّ لدى كلِّ إنسان أهلية للتقويم واستعداد لاكتساب الجيد من الأخلاق والتخلي عن القبيح منها. وإن كان الناس متفاوتين في مقدار أهليتهم واستعدادهم لهذا الأمر. وهناك وسائل كثيرة لتقويم الأخلاق واكتساب الجيد منها والتخلي عن الرديء. والإسلام لم يدع وسيلة من الوسائل التربوية إلا استخدمها في هذا المجال.
ومن أهم هذه الوسائل ما يلي:
1- العلم، ويقصد به معرفة أنواع الأخلاق الحسنة التي أمر بها الإسلام وأنواع الأخلاق الرديئة التي نهى عنها الإسلام.
وهذا العلم ضروري لأنّه بدونه لا يدري المسلم بأي خلق يتخلق، ومن أي خلق يتجرد، وقد كفى الإسلام المسلم مؤنة البحث والاستنباط، فقد فصّل الأخلاق بنوعيها، وما على المسلم إلا أن يعرض نفسه على الأخلاق بنوعيها، ليعرف موضعه منها، ثمّ يعمل جاهداً؛ لتكون أخلاقه أخلاقاً إسلامية حقّاً.
2- الاهتمام الكامل بتقوية معاني العقيدة الإسلامية في النفس. وعلى رأس هذه المعاني الإيمان بالله واليوم الآخر وبرسالة محمد (ص)، واستحضار الجزاء على الأعمال صغيرها وكبيرها، فتقوية معاني العقيدة الإسلامية في النفس يؤدي إلى انفتاح النفس وتقبلها لمعاني الأخلاق الإسلامية؛ لأنّ هذه الأخلاق موصولة بالإيمان ومعاني التقوى، وهذه الصلة تشتد كلما قوي الإيمان في النفس، ورسخت العقيدة فيها، مما يجعل أخلاق المسلم الطيبة ثابتة راسخة لا تزول ولا تضعف؛ لأنها موصولة بالقوي العزيز، وتجد مادة بقاءها واستمرارها وصلاحها من هذا الفيض الذي لا ينضب.
3- مباشرة الأعمال الطيبة التي تساعد على تقويم الأخلاق، وتسهل على النفس قبول الأخلاق الزكية والنفور من الخبيثة: فالعلم وحده بدون عمل لا يكفي قال تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا) (الشمس/ 9)، ولم يقل سبحانه قد أفلح من تعلم كيفية تزكيتها، فلابدّ من تزكية فعلية بمباشرة الأعمال المحققة لزكاة النفس وتخليصها من أمراض الأخلاق الرذيلة ومن الأعمال الطيبة النافعة لتقويم الأخلاق، القيام بأنواع العبادات والطاعات المفروضة والمندوبة، لأنها تزكي النفس وتسهل عليها اكتساب الأخلاق الطيبة والتخلص من الخبيثة، فهي لها طهرة، وزكاة، وقوة، ووقاية. وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه المعاني. فمثلاً في الصلاة قال الله تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) (العنكبوت/ 44). وفي الزكاة قال سبحانه: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) (التوبة/ 103). وهكذا بقية العبادات بأنواعها المختلفة التي تزكي النفس وتسمو بالروح.
4- التدريب العملي والرياضة النفسية: فإنّ الممارسة التطبيقية ولو مع التكلف في أوّل الأمر، وقسر النفس على غير ما تهوى، من الأمور التي تكسب النفس الإنسانية الخلق الطيب، طال الزمن أو قصر.
وهذا المسلك يحتاج إلى تكرار ودوام حتى ينتج أثره، وهذا الدوام يستلزم الصبر وهو ضروري في هذه الحالة ضرورته للمريض الذي يتناول الدواء المر، فإذا صبر وداوم انقادت النفس وألفت الفعل ثمّ يصبح الفعل لها سجية
5- الانغماس في البيئات الصالحة، وذلك بمخالطة المؤمنين ذوي الأخلاق الحسنة؛ لأنّ من طبيعة الإنسان أن يكتسب من البيئة التي ينغمس فيها ويتعايش معها ما لديها من أخلاق وعادات وتقاليد.
6- القدوة الحسنة: والقدوة الحسنة هي المثال الواقعي للسلوك الخلقي الأمثل. والقدوة الحسنة المتحلية بالفضائل الممتازة تعطي الآخرين قناعة بأنّ بلوغ هذه الفضائل من الأمور الممكنة، التي هي في متناول القدرات الإنسانية.►
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق