• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

العنف الفكري والشخصية

د. غنيمة حبيب كرم

العنف الفكري والشخصية

تمحورت دراسات الباحثين حول مفهوم التطرُّف الفكري وأنواعه وأسبابه، وأحياناً كان مفهوم التطرُّف يختلط لدى البعض مع مفهوم العنف الفكري، والحقيقة بأنّ كلا المفهومين مرتبط بالآخر ارتباطاً وثيقاً، لكن كلّ منهما مختلف عن الآخر، فالتطرُّف مغالاة في الانتماء لجماعة ذات سمات مشتركة والتمسك بأفكارها ورفض ما سواها من دون مناقشة أو حوار، وينطوي على نظرة دونية للآخر.

أمّا العنف الفكري فهو مرحلة متقدّمة من مراحل التطرُّف الفكري، حيث تتحوّل الأفكار إلى سلوك. وتعرّفه منظمة الصحّة العالمية العنف بأنّه: «الاستعمال المتعمد للقوّة أو القدرة، سواء بالتهديد أو الاستعمال المادّي الحقيقي ضد الذات أو ضد آخر أو ضد مجموعة أو المجتمع، بحيث يؤدِّي إلى حدوث إصابة أو موت أو إصابة نفسية أو سوء النماء أو الحرمان».

لكن العنف الفكري، رغم أنّه مرحلة من مراحل التطرُّف الفكري، فهو ليس نتيجة حتمية للتطرُّف، فليس بالضرورة أن يترجم كلّ تطرُّف فكري إلى فعل أو سلوك ظاهر، فقد يتوقّف التطرُّف الفكري عند حدود كره الآخر أو حتى الرغبة في إيذائه، وهو بهذه الحالة يبقى تطرُّفاً فكرياً.

وعلى ذلك فالعنف الفكري هو استعمال القوّة المبيت أو الناتج عن أفكار سابقة متطرُّفة لخدمة أفكار معيّنة أو تنفيذ مشاريع فئوية. ويمكن أن يكون باستخدام القدرة المعرفية ضد الآخرين، بقصد الإيذاء، أو بقصد فرض آراء، أو الإكراه على عمل ما، أو اتّخاذ موقف معين، ومن الأمثلة على استخدام القدرة المعرفية تلك التسريبات وإفشاء الأسرار الذي بتنا نراها على وسائل الإعلام.

العنف إذن يرتبط بسلوك الفرد وليس بفكره فقط، إذ يمكن أن يكون الفرد متطرُّفاً ولا تترجم أفكاره بسلوكه وتصرُّفاته، ولا يتعمد إيذاء الآخر. كما يمكن أن يترجم البعض الآخر من المتطرفين فكرياً كلّ ما يدور في نفسه إلى سلوك عدائي عنيف ضد الآخر، ولعلّ ارتباط العنف بالشخصية يثبت لنا بأنّه ليس أصيلاً بجميع الأفراد، إنّما هي حالات معينة حيث تتفاعل فيها الشخصية القابلة لترجمة التطرُّف إلى سلوك مع المحيط وتتأثر به سلباً لتنتج فرداً عنيفاً بسلوكه وتصرُّفاته.

وقد يقودنا ذلك للإدراك بأنّ مواجهة العنف الفكري ممكنة بالعمل على إيقاف الأفكار المتطرُّفه والحيلولة دون تطوّرها، وربما تغييرها لدى الكثير من الأفراد بأفكار أكثر اعتدالاً، وذلك من خلال ملاحظة الميول الشخصية إلى العنف في مرحلة مبكرة لدى الأطفال، وتوفير برامج تعديل السلوك التي أثبتت نجاحها لدى الكثير من الأطفال.

ارسال التعليق

Top