• ٢٤ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٢ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

العمل أثناء الإجازة.. فرصة ثمينة لطلاب الجامعات

العمل أثناء الإجازة.. فرصة ثمينة لطلاب الجامعات

◄- من أجل كسب الخبرة والمال في آن معاً:

صحيح أنّ الهدف من الإجازة هو الحصول على قسط من الراحة بعد عناء عام دراسي طويل. ولكن هناك مَن يفضلون الإفادة من تلك الفترة في ممارسة وظيفة ما، إيماناً منهم بأنّ تلك الوظيفة، على بساطتها، تكسبهم مهارات وخبرات متنوّعة، وتمثل إضافة ديناميكية إلى سيرتهم الذاتية، عدا عن أنّها توفر مردوداً مادّياً لا بأس به.

في الوقت الذي يئن فيه طلاب وطالبات المدارس والجامعات من وطأة الملل والفراغ أثناء الإجازة الصيفية، فإنّ فريقاً آخر من الطلاب يكون قد حسم أمره مسبقاً وقرر البحث عن وظيفة مناسبة يشغل بها وقته طوال الإجازة. وخلال إعداد هذا التحقيق، اكتشفنا أنّ هناك نسبةً لا بأس بها من الطلبة ممّن يحرصون على هذا الأمر، بحيث يبدأون مبكراً رحلة البحث عن عمل مؤقت في فترة العطلة الصيفية، سواء في مجالات تخصصاتهم أم في مجالات أخرى من شأنها أن تعمل على صقل مواهبهم وتعزيز مهاراتهم. 

- أكثر من مهارة:

استناداً إلى تجربتها في مجال العمل الصيفي، تقول سهيلة (طالبة في قسم التربية): "لقد تعوّدت دائماً بعد انتهاء العام الدراسي أن أسجل في إحدى المؤسسات والدوائر لكي أُنمي مهاراتي وأكتسب خبرات أكثر، فالتحقت بوظيفة مؤقتة وبعمل إداري كما عملت أيضاً في المكتبة العامّة التابعة للجامعة". وتضيف: "في كلّ جهة التحقت بالعمل فيها حقّقت مهارة مختلفة وخبرة متنوّعة أيضاً، ومنها على سبيل المثال: مهارات الكمبيوتر وإدارة أكثر من عمل في وقت واحد وتجربة العمل تحت الضغوط، إلى جانب مهارات تتعلق بأساليب التعامل مع الناس بمختلف أعمارهم، وأساليب التواصل مع العملاء بطريقة لبقة ورسمية. كلّ تلك الخبرات وغيرها تعلّمتها من خلال التحاقي بالعمل خلال الإجازة الصيفية على مدى سنوات متتالية في أكثر من جهة".

وتشيد سهيلة بدور كثير من الجهات والمؤسسات المختلفة ومدى تعاونهم مع الطلبة في توفير وإتاحة فرص العمل المؤقتة لهم خلال عطلة الصيف، لافتة إلى أنّه "كان للجهات التي التحقت بالعمل فيها دور كبير في تشجيعي أنا وزميلاتي على الاستمرار في العمل لديهم مقابل مكافآت مالية، وكان هذا أحد العوامل الأساسية التي شجعتنا على مواصلة العمل، كما أنّهم كانوا يثنون على الإنجازات التي نحقّقها وقد أسهم ذلك في تعزيز ثقتنا بأنفسنا وقدراتنا إلى حدٍّ بعيد". وتكشف أنّها تخطط لأنّ تلتحق هذا العام بالعمل في إحدى المؤسسات البترولية "حتى تكون خبراتي متنوّعة". وتقول: "اخترت هذا العمل بالذات لأنّه يختلف عن الأماكن الأخرى التي التحقت بها سابقاً، خاصّةً أنّ الحركة فيه أكثر، ومن خلال هذه التجارب فإنّ الطالب يستطيع أن يحدِّد موقعه المناسب على خريطة الوظائف المستقبلية بعد تخرجه".

- وظيفة مضمونة:

اكتساب الخبرات كان الهدف الرئيسي وراء سعي هدى (طالبة في قسم الإعلام) إلى العمل أثناء الإجازة الصيفية، تقول: "من خلال تجربتي فإنّ الطالب المتميز هو الذي يسعى إلى تعزيز مهاراته وخبراته العملية ولا يكتفي بمؤهلاته الأكاديمية النظرية وحدها، وذلك من خلال العمل الذي يحقّق له هدفين اثنين دفعة واحدة، حيث إنّه يقوم بإثراء سيرته الذاتية من جهة، بحيث تصبح متضمنة خبرات مختلفة ومهارات متنوّعة وتجارب عمل سابقة، وهذا ما يعزز من فرص حصوله على وظيفة أفضل بعد التخرج، ومن ناحية أخرى فإنّ تجربة العمل تسمح للطالب بتطبيق الدراسات النظرية التي يدرسها ويتعلّمها في الحياة الأكاديمية".

- مكافآت:

أمّا الطالبة فاطمة إبراهيم (تخصص إدارة أعمال)، فتقول: "إنّ الوظائف المؤقتة تمثِّل جزءاً كبيراً من نشاطي خلال فصل الصيف. فأنا من المهتمين والحريصين جدّاً على أن أتعلم وأكتسب مهارات في كلّ المجالات، وخاصّة خلال الفترة الصيفية التي أعد لها خطة مسبقة"، مضيفةً: "أنا أشجع طلبة الجامعة على الالتحاق بوظائف مؤقتة أثناء عطلة الصيف، لما يحقّقه ذلك لهم من خبرة واسعة في مجالات مختلفة داخل وخارج تخصصاتهم الدراسية". كما تعتبر فاطمة أنّ الدافع المادّي ليس أساسياً بالنسبة إليها، وتقول: "لا أعتبر المقابل المادّي هو الدافع والمشجع الأساسي لي، إذ إنّ المهارات والخبرات المكتسبة هي التي تمثل الدافع بالدرجة الأولى، ولكن تبقى المكافآت المالية عاملاً مشجعاً للكثيرين".

- نظري وعملي:

وترى فاطمة سعيد (تخصص إدارة أعمال موارد بشرية) أنّ "حُسن استغلال وقت الفراغ، خاصّة في الإجازة الصيفية، لابدّ منه، وذلك عبر أساليب عديدة، مثل: الاتجاه إلى العمل الوظيفي من خلال الالتحاق بالمؤسسات والهيئات، التي تعمل على صقل مهارات الطالب، وتحضره لمهنة المستقبل، إذ إنّ هناك العديد من المؤسسات التي تتعاون مع الطلاب الراغبين في اختبار تجربة العمل خلال فترة الإجازة بقصد تدريبهم ومنحهم فرصة عملية للتعلّم واكتساب الخبرات، خاصّةً أنّ الجانب التطبيقي مهم حتى يعزز الجانب الأكاديمي لدى الطالب، من خلال صقل مهاراته وإثراء خبراته، إذ يتعلّم الكثير من الأُمور المهمّة له في حياته العملية، مثل كيفية التواصل مع الآخرين، وفهم أساسيات العمل، وتوسيع دائرة المعارف والعلاقات العامّة".   

- عامل جذب:

تؤيدهم الرأي وفاء عبدالله (طالبة في السنة الأولى، تخصص سياحة)، إذ تقول: "بالنسبة إلى الطلاب الذين يقفون على مشارف حياتهم العملية والمهنية، لا شكّ في أنّ إجازة الصيف تمثِّل فرصة ثمينة لتحسين أوضاعهم وصقل مهاراتهم. لذا، يتعين عليهم أن يحسنوا التخطيط والإعداد مسبقاً بشأن طبيعة الجهة ونوع الوظيفة التي يخططون للالتحاق بها". وتتابع: "بالنسبة إليّ كطالبة تنوي أن تقتحم مجال السياحة، فقد خططت بالفعل لأنّ ألتحق بالعمل لدى جهة سياحية في عطلة هذا الصيف، حتى أتعرف إلى مهام تخصصي بطريقة عملية، وأنا واثقة بأنّ هذا سوف يفيدني في دراستي الأكاديمية". وتؤكد وفاء أنّ "هذه التجربة سوف تكون تجربتها الثانية في العمل أثناء عطلة الصيف". وتضيف: "لقد سبق لي العمل في إحدى المجلات، وقد أتاح لي ذلك اكتساب مهارات وخبرات عديدة، مثل مهارات إدارة الوقت وتنظيمه، ومهارات الاتصال والحوار". وعلى صعيد آخر، تقول وفاء: "لقد نالت فكرة العمل أثناء عطلة الصيف دعماً كبيراً من جانب أهلي وصديقاتي، وهذا الدعم كان له أكبر الأثر في تحقيقي لها. كما أنّ هناك عوامل كثيرة ساعدتني على متابعة نهجي في هذا الخط. فالمقابل المادّي عامل جدير بالأخذ في الاعتبار، لما يوفره من إحساس بالاستقلال المادّي، ولو بشكل جزئي أو مؤقت، وهذا إلى جانب الدعم المعنوي الذي تقدمه الجهات التي نلتحق بالعمل فيها".

- مزايا عديدة:

من ناحيته، يؤكد محمّد المرزوقي (طالب) "أهمية الاستعداد لخوض غمار الحياة العملية مبكراً". ويضيف: "من منطلق تجربتي الشخصية، فإنّ العطلة الصيفية تمثِّل فرصة ثمينة لإثراء خبرات وتجارب طلاب الجامعات، وذلك في حال أحسنوا استغلالها وفكروا في الالتحاق بوظائف أو أعمال مؤقتة". ويتابع المرزوقي لافتاً إلى أنّ "المردود المادّي ليس هو الميزة الوحيدة التي يحصلها الطالب في هذه الحالة، فهو يحصل على خبرات ومهارات ومعارف لا يتمكن من الحصول عليها على مقاعد الدراسة".   

- نتائج إيجابية:

محمّد مؤيد (طالب في الصف العاشر)، يذكر أنّه حريص جدّاً على استغلال فترة الإجازة الصيفية في الالتحاق بمراكز التدريب المهني، وكذلك يهوى الالتحاق بعمل إضافي يكسب من خلاله خبرات مختلفة، يقول: "أنا أنظر إلى هذه التجارب باعتبارها وسيلة عملية للتعرّف إلى المهن والوظائف التي يحتاج إليها سوق العمل، وهو الأمر الذي يساعدني بلا شكّ على تكوين تصوّر مستقبلي صحيح يساعدني في اختيار التخصص الدراسي المناسب، الذي يؤهلني للحصول على فرصة عمل جيِّدة بعد التخرج".   

- عمل مؤقت.. فوظيفة دائمة:

وفي الحقيقة، إنّ الحديث عن عمل الطلاب أثناء العطلات الدراسية في وظائف مؤقتة، بصفته بوابة محتملة للحصول على وظيفة دائمة بعد التخرج، ليس ضرباً من الخيال أو المبالغة، فهناك نماذج كثيرة تثبت ذلك من تلك النماذج وهي المصورة الصحافية فاطمة محمّد المرزوقي (تعمل في جريدة "ذا ناشيونال")، التي تتحدث عن تجربتها قائلةً: "بدأت تجربة العمل من خلال الأعمال التطوعية، التي كانت تنظمها كلّية التقنية العليا أثناء دراستي فيها، ثمّ التحقت بعد ذلك بالعمل في مؤسّسات أخرى، مثل مركز الاتصال وغرفة التجارة ومؤسّسة "تكاتف". وهكذا، "اعتدت قبيل كلّ إجازة صيفية أن أبدأ رحلة البحث عن عمل مؤقت أشغل به وقت فراغي، وكنت أركّز في بحثي على مجالات العمل التي تخدم تخصصي الأكاديمي وهو الإعلام التطبيقي، بقصد تنمية مهاراتي المهنية من خلال التطبيق العملي". وتضيف: "كانت جريدة "ذا ناشيونال" إحدى المحطات التي عملت بها بصفة مؤقتة، وكانت سعادتي لا توصف عندما تلقيت عرضاً من إدارة الجريدة للعمل بصفة دائمة بعد تخرجي، وهو الأمر الذي أحدث تغييراً كبيراً في حياتي". ومن واقع تجربتها تؤكد المرزوقي أنّه "عندما يفكر الطالب في الإفادة من وقت الفراغ بهذه الطريقة، فإنّه يكون قد هيأ نفسه لمستقبله المهني بطريقة صحيحة، فالطالب يكتسب خبرة ويكون دائرة كبيرة من المعارف والعلاقات العامّة، ويطوّر من شخصيته إنساناً قادراً على التعامل مع فئات مختلفة من الناس، وتلك الخبرات والمهارات تساعده على الاختيار الموفق لميدان العمل في المستقبل"، مضيفةً أنّ "العمل خلال الفترة الصيفية يعود على الطالب بالمردود المادّي أيضاً، وهذا يشكّل نوعاً من أنواع التحفيز لما تمنحه للطالب من شعور بالاستقلال المادّي".

- واقعي وافتراضي:

يؤكّد الدكتور حمزة دودين "إنّ العمل خلال الفترة الصيفية يعتبر من أهم الأنشطة التي يستطيع الطلاب ممارستها، إذ يُعد ذلك تحضيراً لمهنة المستقبل"، موضحاً أنّ "هناك فرقاً كبيراً وواضحاً بين الحياة الأكاديمية محاكاة أو تمثيل الحياة العملية بصورة دقيقة، لأنّ البيئة الأكاديمية مختلفة بطبيعتها ومكوناتها وأُسسها ومبادئها عن الحياة العملية الواقعية. بمعنى أنّ الجامعات والمدارس تحاول إعداد الطالب للحياة العملية ولكن في بيئة المدرسة وهي مختلفة عن بيئة العمل الواقعية، إلّا أنّ هذا الإعداد لن يكتمل إلّا بممارسة حقيقية لتجربة العمل".  

- مهارات لابدّ منها:

"المهارات الحياتية والفنية لابدّ من وجودها في حياة كلّ فرد ناجح في المجتمع، فهي من مميزات الشخصية القوية والقيادية" كما يذكر د. دودين، مؤكداً أنّ "أهم هذه المزايا التي يكتسبها الطالب أثناء ممارسته تجربة العمل في الفترة الصيفية هو أنّه يكتسب مهارات عديدة تختلف باختلاف جهة العمل. فمثلاً، إذا كان الجهة التي يعمل بها عبارة عن محل تجاري، فإنّه يتعلّم كيفية التعامل مع الزبائن. أمّا في حال العمل في بنك مثلاً، فإنّه سيكتسب المهارات البنكية بغض النظر عن المهارات العملية المهنية الأخرى، فيتعرّف إلى عدد كبير من الأشخاص العاملين في المجتمع الذين يختلفون ربّما عن الأشخاص الذين قابلهم في حياته، كما أنّ العمل يعلّم الطالب الانضباط والإنجاز والالتزام وحُسن تدبير الوقت وغيرها من المهارات التي تتحقّق من خلال بيئات العمل المتنوّعة".

ويوجه الدكتور دودين رسالة إلى العاملين في ميدان التربية والتعليم مناشداً إياهم "بضرورة نشر الوعي لدى الطلبة والأهالي حول كيفية استغلال وقت الفراغ، حيث إنّ التعليم له دور أساسي في المجتمع، وذلك من خلال تغيير نظرة المجتمع، الذي وضع أو ربط فكرة الإجازات بوقت الكسل والاسترخاء والنوم الطويل"، مشدداً على "مسؤولية الإعلام الذي يجب أن يلعب دوراً بارزاً، إضافة إلى إتاحة فرص العمل للطلاب، وتشجيع وتوفير المؤسّسات الحكومية والخاصّة على قبول عملهم بشكل جزئي خلال الإجازة الصيفية".►

ارسال التعليق

Top