• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

البُعد الاستراتيجي لحياتك

البُعد الاستراتيجي لحياتك

◄إنّ كثيراً من الأقوال أو الأعمال التي يقوم بها الإنسان، إنّما هي في إطار الفعل وردِّ الفعل، وذاك الفعل يحدث نتيجة نقص ما عند الإنسان، ويكون ردّ الفعل هو الأثر المتوازن لسد تلك الحاجة. غير أنّ استمرار العملية بهذا المنوال لا يؤدي إلى تطوير الإنسان ذاته من جهة، ولا تطوير مجتمعه من جهة أخرى، لأنّ أعماله تلك لا تعدو على أن تكون سبباً لبقائه؛ ولكن ما الدّاعي لبقائه أصلا؟!

لم يُخلَق الإنسان عبثاً، ولم يوجد على هذه الأرض صدفة، بل هو اصطفاء من بعد اصطفاء، وجد لهدف نبيل وغاية عظيمة، ذلك الهدف هو عمارة الأرض، الذي يتم في إطار غاية عظيمة، وهي عبادة الله (تعالى) ونيل رضاه.

فحياة الإنسان – كمدّة زمنية مقرونة بالنَّفَس الصاعد والنازل – كلُّها رهن تحقيق ذلك الهدف وتلك الغاية، غير أنّ الحياة الحقيقية للإنسان ليست فقط تلك الفترة الزمنية العمرية الممتدة من يوم ولد إلى يوم يتوفّى، بل إنّ حياة الإنسان تمتد لما بعد مماته، مادامت آثاره ظاهرة على سطح الأرض ومحفورة في أذهان الناس، وله منها نصيب، لأنّ ما يقوم به الإنسان في فترة الحياة العمرية إنما هو العمل.. وأمّا ثمار العمل، فهي تمتد في عمق المستقبل بطول طيفها الإشعاعي.

وقد يكون ذلك الامتداد إيجابياً، أو قد يكون سلبياً.. وفي الحالتين، يكون للإنسان نصيبٌ من ذلك الامتداد، يؤثر على النتيجة النهائية لمدى تحقيقه للغاية التي خلقه الله (تعالى) من أجلها.. فأمّا امتداد يزيده حسنات ورضاً عند الله (تعالى)، وأمّا امتداد يزيده خسراناً وخزياً، ذلك أنّ الله (تعالى) قد تعهَّد في كتابه الجليل، وقال: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) (يس/ 12)، فما (قَدَّمُوا) في حياتهم العمرية، أمّا (آثارَهُم) بعد مماتهم، فهو ما ترتَّب من الآثار السلبية أو الإيجابية على ما (قَدَّمُوا) أثناء حياتهم.

إنّ هذه الحقيقة تُحتِّم علينا النظر ملياً فيما نقول وما نفعل، فالأمر غير مقترن بالحاضر ولحظة العمل، بل له امتداد مستقبلي، والمُجِدُّ هو مَن آثر أن يكون لعمله امتداد بعيد المدى، كلُّه إيجابية، كتلك الكلمة الطيِّبة التي مَثَّلَها الله (تعالى): (كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (إبراهيم/ 24-25).

إنّ الإنسان لابدّ له من أثر، ولابدّ للأثر أن يكون إيجابياً يعود بالنفع على الفرد والمجتمع والأجيال المتعاقبة، وأن لا يكون صاحب أثر سلبي تحذر الناس منه، وتحذر أيضاً سلوك مسالكه، كفرعون وهامان وقارون والسامري وغيرهم من الطغاة.

إنّ الذي لم يترك أثراً يُذكر، فكأنّما قد عاش على هذه الأرض ليأكل منها ويشرب، ويستهلك من مواردها ولا يعود بالنفع عليها، فقد ناقض الاصطفاء الذي أوجده، وأفنى عمره دون هدف أو غاية فكان زائداً على هذه الحياة.

لذا.. اترك أثرك الإيجابي، ومدّ في عمرك، ولتكن حياتك العملية ممتدّة إلى يوم الدين، واحذر أن تعتاد العيش في دائرة الفعل وردِّ الفعل، فلا تعدو عيناك قدميك، ويفوتك الغد، ولا يكون لك فيه ذكر.

هكذا.. يجب أن تكون استراتيجياً في كلِّ ما تقول وكلِّ ما تفعل.►

ارسال التعليق

Top