• ٧ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٥ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

ابتسم وتسامح

عمار كاظم

ابتسم وتسامح

يقول تعالى: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ) (النور/ 22)، و(فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) (الحجر/ 85). يعتبر التسامح أحد المبادئ الإنسانية، وما نعنيه هنا هو مبدأ التسامح الإنساني، كما أنّ التسامح في دين الإسلام يعني نسيان الماضي المؤلم بكامل إرادتنا، وهو أيضاً التخلي عن رغبتنا في إيذاء الآخرين لأيّ سببٍ قد حدث في الماضي، وهو رغبة قوية في أن نفتح أعيُننا لرؤية مزايا الناس بدلاً من أن نحكم عليهم ونحاكمهم أو ندين أحداً منهم. والتسامح أيضاً هو الشعور بالرحمة، والتعاطف، والحنان، وكلّ هذا موجود في قلوبنا، ومهمٌّ لنا ولهذا العالم من حولنا. والتسامح أيضاً أن تفتح قلبك، وأن لا يكون هناك شعور بالغضب ولا لوجود المشاعر السلبية لأيّ شخصٍ أمامك. وبالتسامح تستطيع أن تعلم بأنّ جميع البشر يخطئون، ولا بأس بأن يخطئ الإنسان. والتسامح في اللغة معناه أيضاً التساهل؛ فبالتسامح تكون لك نصف السعادة، وبالتسامح تطلب من الخالق أن يسامحك ويغفر لك. وبالتسامح تسامح أقرب الناس إليك؛ والديك وأبناءك وكلّ مَن أخطأ بحقّك، كما أنّ التسامح ليس بالأمر السهل إلّا لمن يصل إليه فيسعد، ونعني بالتسامح أيضاً أن تطلب السماح من نفسك أوّلاً ومن الآخرين.

والتسامح كمفهوم أخلاقي اجتماعي دعا إليه كافّة الرُّسل والأنبياء والمصلحين؛ لما له من دور وأهميّة كبرى في تحقيق وحدة، وتضامن، وتماسك المجتمعات، والقضاء على الخلافات والصراعات بين الأفراد والجماعات، والتسامح يعني احترام ثقافة وعقيدة وقيم الآخرين، وهو ركيزة أساسية لحقوق الإنسان، والديمقراطية والعدل، والحرّيات الإنسانية العامّة. وليس التسامح فقط من أجل الآخرين، ولكن من أجل أنفُسنا وللتخلّص من الأخطاء التي قمنا بها، والإحساس بالخزي والذنب الذي ما زلنا نحتفظ به داخلنا، التسامح في معناه العميق هو أن نسامح أنفُسنا. فمن هذه الناحية نرى كم هي عظيمة تلك النفوس المتسامحة التي تنسى إساءة مَن حولها، وتظلّ تبتلع إساءاتهم، وأخطاءهم، لا لشيء سوى أنّها تحبّهم حبّاً صادقاً يجعلها تعطف على الإساءة تلك، وتضع في اعتبارها أنّه لا يوجد إنسان معدوم الخير، ولكن يحتاج إلى مخلص يبحث عن ذلك الخير، فهي تعذرهم؛ لأنّها تضع في اعتبارها أنّ مَن يسيء لغيره قد يعيش ظروفاً صعبة أدّت به أن يسيء لمن حوله، لكنّه لايجد مَن يعذره ويتسامح عن زلّته.. فالتسامح قد يقلّل كثيراً من المشاكل التي تحدث بين الأقران والأحبّة؛ لسوء الظنّ، وعدم التماس الأعذار، فقد يكون شخصٌ ما صديقك، وأخاً لك، ولكن لتصرّف صدر منه خطأ قامت الدُّنيا ولم تقعد، فعلينا أن نزن كلماتنا قبل أن تخرج؛ لأنّ الكلمة رصاصة، إذا خرجت لا تعود. وحتى تكون نفوسنا عظيمةً كتلك النفوس، صافيةً شفّافةً لا تعرف الأحقاد، كالزجاجة تشفّ عمّا بداخلها؛ لأنّها لا تحوي سوى الحبّ والإخلاص، تلك النفوس حقّاً هي التي تستحقّ أن تُقدّر وتُحترم؛ فهي تأسر القلوب بسرعةٍ ولأوّل وهلة؛ لأنّها صدقت مع الله، ثمّ مع نفسها، وبالتالي مع جميع الخلق. إنّ أسوأ ما يفعله المرء هو أن يخلق مبرراً منطقياً ليرتكب سوءاً غير منطقي، ثمّ يتوجب علينا بعد أن يعود إلى رُشده أن نسامحه، أي معادلة تلك التي يتساوى فيها المسيء مع الضحية. لكن، بموجب إنسانيتنا وأخلاقنا السامية التي نحاول أن نسمو من خلالها، ومن منطلق غلبة الإحسان على الإساءة، غلبة الحبّ على الكراهية، غلبة الحقّ على الخطأ والباطل، يفترض بنا أن نسامح، وأن نعفو، وأن ننسى بعد ذلك ما حدث. عليك أن تبتسم، وأن تسامح لا تنسى أن تبتسم، وأن تتلفظ بعبارات خارجة من قلبك، أو من فمك فقط مخالفة لما تشعر به في قلبك، فقط كي تنال من إشباع غرورك ما تريد، بأنّك مَن تعفو وتسامح وتحسن. عليك أن تفعل الخير ما استطعت، افعل كلّ الخير الذي بمقدورك أن تفعله، اصنع خيراً إذ لا يزال بإمكانك ذلك، حتى إذا جاء وقت أو حتى أوقات تشعر فيها بالعجز عن القيام بذلك، في هذه الأوقات بالذات، حين تعجز عن الإتيان بذلك، هو الوقت ذاته الذي ستتمنى فيه لو أنّك فعلت ما يكفي من الخير لكي تهنأ في سريرتك، وتغمض جفون قلبك بسلام.

ارسال التعليق

Top