الكثير ممّن تعمقوا في أبعاد وأدوار المرأة في الحياة الإنسانية، ركّزوا على أدوارها الأُسرية كزوجة وأُمّ، ولا شكّ أنّ لهذه الأدوار أهميّة وقدسيّة متميزة، إلّا أنّ الواقع يدلّنا على أنّ للمرأة أداءً سحرياً وحسّاساً وخاصاً.. والمرأة، أيّاً كانت المرحلة التي تعيشها في حياتها، فهي تتأثر وتؤثر في حياة الآخرين ما لم يؤثر فيهم مخلوق عادي آخر، وهذا التأثير يبرز من مجارٍ متعدّدة.
أسهمت المرأة إسهامات فكرية وثقافية في الميادين والمجالات المتصلة بقضاياها وشؤونها، وفيما إذا كان هذا الإسهام متقدّماً ويتحرّك بوتيرة متقدّمة، أو متراجعاً ويتحرّك بوتيرة متراجعة، أو متأرجحاً بين التقدّم والتراجع، فيتحرّك تارة بوتيرة متقدّمة، وتارة بوتيرة متراجعة. في حين بدأت المرأة تعلن عن تقدّمها في الميادين الفكرية والثقافية، وأخذت ترفع صوتها، وتطالب بالإصغاء والاستماع إليها وهي تتحدّث بنفسها قدرتها على السير قُدماً في كافة المجالات، وعياً وإدراكاً منها أنّها قد تأخرت كثيراً بالإسهام الفكري والثقافي في هذا الشأن.
كشفت المرأة عن وعي جديد بدأ يتشكّل عندها، وعن يقظة في مسلكياتها الفكرية والثقافية، أخذت المرأة تلفت النظر إلى طبيعة ما تطرحه من أفكار وتصوّرات ووجهات نظر، أكّدت على الحاجة إليها، وضرورة الانفتاح والتواصل معها إن كان أُسرياً أو مجتمعياً، وبرهنت على قيمة ما يمكن أن تضيفه في هذا المجالات، وبالشكل الذي يثري المجالات الفكرية والثقافية. ولعلّ في إدراك المرأة أنّ الوصول إلى مثل هذه القناعة، أو الاقتراب منها، والالتفات إليها، يمثّل إنجازاً فكرياً وثقافياً لها، يفترض أن يتحوّل إلى مكسب أخلاقي واجتماعي، تستفيد منه في تدعيم مطالبتها بضمان حقوقها، وتحسين نوعية حياتها.
وقد سلك الإسلام منهجاً في مقابل الأفكار والتصوّرات الخاطئة والمسيئة والمشينة للمرأة منهجاً فكرياً وعملياً متكاملاً يتّجه إلى إكرام المرأة وإجلالها ابتداءً من مبدأ خلقها ثمّ نشأتها بنتاً وأختاً وزوجةً وأُمّاً. انطلق الإسلام في تعامله مع المرأة على أساس إنسانيّتها ومساواتها في مصدر الخلق والتكوين مع الرجل، من غير تمييز في ذلك، بين الذكر والأُنثى، فهما معاً: المخلوق المكرّم العزيز عند الله تعالى، الذي أكرمه الله تعالى بالعلم والمعرفة، وسخّر له السماوات والأرض، وكلّ ما وجد من حوله، ليستخلف الله تعالى في أرضه، قال تعالى: (إقْرأ بِاسْمِ ربِّك الّذي خَلَقَ * خَلَقَ الإنْسانَ مِن عَلَقٍ * إقْرَأ وَرَبُّك الأكْرَمُ * الّذي عَلَّمَ بالقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسانَ ما لَم يَعْلَم) (العلق/ 1ـ5). وقال أيضاً: (وَلَقَد كرّمنا بني آدَمَ وَحَمَلْناهُم في البَرِّ وَالبَحْرِ وَرَزَقْناهُم مِنَ الطّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُم عَلَى كَثيرٍ مِمَّن خَلَقْنا تَفْضِيلاً) (الإسراء/ 70). وهما قد خُلقا من نفسٍ واحدة، فلا تفاضل لأحدهما على الآخر، ولا مرتبة عُليا ولا دُنيا، بل هما من مصدر واحد سواء فيه، قال تعالى: (يا أيُّها الناسُ اتّقوا رَبَّكُم الّذي خَلَقَكُم مِن نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثيراً ونِساءً وَاتّقوا اللهَ الّذي تَساءَلونَ بِهِ والأَرْحام إنّ اللهَ كانَ عَلَيكُم رَقيباً) (النِّساء/ 1).
كما أكَّد الإسلام مرّة بعد مرّة على ضرورة رعاية المرأة وحفظ كرامتها ومعاملتها بلطف ومحبّة ورفق، فيؤكِّد تعالى: (وعاشِروهنّ بِالمَعروف) (النِّساء/ 19). وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «أوصاني جبرئيل بالمرأة، حتى ظنّنتُ أنّه لا ينبغي طلاقها إلّا من فاحشة مبيّنة». وكلّ ذلك الاهتمام يفجّر طاقات المرأة لتعطي أفضل ما عندها للأُسرة والمجتمع ككلّ. وبذلك نعلم الموقع الفريد والمكانة السامية التي تحتلّها المرأة في دنيا الإسلام، ويأتي ذلك متمِّماً لخطّ مستمر ومنهج متكامل على طريق إكرام المرأة.. فهي وليدة مباركة وبنتاً كريمة وزوجة مكرّمة... ثمّ أُمّاً مقدّسة ومعظّمة، كانت الجنّة تحت قدميها. فالمرأة ينبوع من العطاء إذا ما كانت تحت رعاية وحبّ أعطت كلّ ما لديها وأكثر.مقالات ذات صلة
ارسال التعليق