كان النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) معصوماً بكلّه؛ بعقله وقلبه وحياته كلّها، ولم تكن دعوته مقتصرةً على المنطقة التي عاش فيها، وإن مثَّلت تلك المنطقة قاعدة الدعوة ومنطلقها، بل كانت دعوةً للناس كافةً: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ) (سبأ/ 28)، وفي آية أُخرى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء/ 107). وأراد الله له أن يقول: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا) (الأعراف/ 158)، فقد كان الرسول العالمي الذي لا تقتصر رسالته على مجتمع دون مجتمع، وكانت رسالته خاتمة الرسالات، لذلك فهي لا تختصّ بمكان دون مكان، ولا بزمان دون زمان، بل هي دعوة للحياة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) (الأنفال/ 24).
امتدَّت رسالة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في أرجاء العالم كلّه، كما كانت رحمةً للعالمين كلّهم. وكان النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يمثّل بشارة الأنبياء قبله، وهذا ما حدّثنا القرآن عنه في حديث عيسى بن مريم (عليه السلام) لبني إسرائيل: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) (الصف/ 6).
حدّثنا الله سبحانه وتعالى عن الخلق العظيم للنبيّ، حيث كان (صلى الله عليه وآله وسلم) يمثّل القمة في أخلاقه، لأنّه كان ليّن القلب ويحبّ الناس كلّهم، سواء كانوا من أعدائه أو من أصدقائه، وكان يتألم لأعدائه ألماً عميقاً لأنّهم لم ينفتحوا على الرسالة، ولأنّهم سوف يخسرون الدُّنيا والآخرة، وكان قلبه ينبض بالرحمة والخير والمحبّة، وكان طيِّب اللسان، ينفتح لسانه على كلّ ما ينصح الناس ويرتفع بمستواهم ويؤلّف بينهم، وهكذا ألّف (صلى الله عليه وآله وسلم) بين الفئات المتخاصمة، كما بين «الأوس» و«الخزرج»، بعدما كانت الحروب بينهم تمتدّ إلى عشرات السنين.
كان (صلى الله عليه وآله وسلم) يتابع المجتمع كلّه، من أجل أن يضع له النظام الذي يجمع كلمته وينظّم حياته، وفي هذا يقول تعالى: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ والإنجيل يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ ـ عظّموه ـ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الأعراف/ 175).
أراد الله تعالى لنا أن نقتدي برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأن نتخلّق بأخلاقه، فيكون النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أسوةً لنا: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا) (الأحزاب/ 21)، فإذا كان رسول الله طيِّب القلب واللّسان، فعلينا أن تكون قلوبنا وألسنتنا طيِّبةً، وإذا كان (صلى الله عليه وآله وسلم) يحبّ الناس ويحنو عليهم، فعلينا أن نحبّ الناس ونحنو عليهم. وعندما نواجه شهادة أخ رسول الله ووصيَّه وتلميذه وصهره في حقّه، وهو أعرف الناس به، فإنّنا نقرأ في قول الإمام عليّ (عليه السلام) عنه: «بعثه والناس ضلالٌ في حيرة، وحاطبون في فتنة ـ أيّ أنّهم كانوا يعمدون إلى إثارة نار الفتن ـ قد استهوتهم الأهواء، واستنزلتهم الكبرياء ـ عاشوا التكبّر ـ واستخفّتهم الجاهلية الجهلاء ـ كما استخفّ فرعون قومه فأطاعوه ـ حيارى في زلزال من الأمر، وبلاء من الجهل، فبالغ (صلى الله عليه وآله وسلم) في النصيحة، ومضى على الطريقة ـ الطريقة التي علّمه الله أن يأخذ بها ـ ودعا إلى الحكمة والموعظة الحسنة».
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق