• ٢٥ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٣ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الصلاة.. هُويّة المؤمن

عمار كاظم

الصلاة.. هُويّة المؤمن

لم يحظ فرض من الفروض كما حظي فرض الصلاة، وهذا واضح من الأحاديث النبوية الشريفة عند النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل البيت (عليهم السلام) جعلت من الصلاة عموداً تنبني عليه كلّ الفرائض من واجب ومستحب، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «مثلُ الصلاة مثلُ عمود الفُسطاط إذا ثبت العمود نفعت الأطناب والأوتاد والغشاء، وإذا انكسر العمود لم ينفع طنب ولا وتد ولا غشاء»، ومنه قول الإمام عليّ (عليه السلام): «الله الله في الصلاة، فإنّها عمود دينكم». وفاطمة الزهراء (عليها السلام) في خطبة لها إشارت إلى الصلاة، فقالت: «فرضَ الله الإيمان تطهيراً من الشِّرك، والصلاة تنزيهاً عن الكِبر»، وهذه إشارة مهمّة لما للصلاة من أثر تخليص الإنسان وهَم النفس التي تصوّر لكثير من الناس كبر حجمها، وإنّها أعظم ممّا يراه الآخرون، وهذه نزعة الكِبر التي لابدّ للإنسان أن يتعوّذ بالله منها كلّ حين. فلاريب أنّ لكلّ فرضٍ أثره في الإنسان والحياة، وما لم يتحقّق واحد من هذين الأثرين فاعلم أنّه لا جدوى من كلّ ما يعمله الفرد ممّا يُسمِّيه طقساً دينياً أو شعائر يحتفي بها ويُقدِّسها، فينبغي للإنسان أن يضمر في داخله هدف ذلك الغرض العبادي الذي يؤدِّيه كلّ يوم، فكيف يمكن أن نؤمن بتأدّية الفرض ما لم نتلمس أثره في الحياة، وهذا ما تضج به الحياة على طول مداها فـ«كم من قارئ للقرآن والقرآن يلعنه، وكم من صائم ليس له من صيامه إلّا الجوع والعطش، ولا تقل ما أكثر الحجيج ولكن ما أكثر الضجيج»، ممّا يؤكد أنّ هناك الكثير ممّن يفعل الفعل من دون أن يراعي الممارسة الروية أوّلاً، وجني ثمرة ذلك العمل ثانياً.

قال تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) (العنكبوت/ 45)، وقال النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم): «مَن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلّا بُعداً». وعن الإمام الصادق (علیه السلام)، قال: «اعلم أنّ الصلاة حجزة الله في الأرض، فمن أحبّ أن يعلم ما يدرك من نفع صلاته فلينظر، فإنْ كانت صلاته قد حجزته عن الفواحش والمنكر، فإنّما أدرك من نفعها بقدر ما احتجز»، وقول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا صلاة لمن لم يطع الصلاة، وطاعة الصلاة أن تنهى عن الفحشاء والمنكر». إنّ القرآن ومن خلال الآية آنفة الذكر يريد أن يوقظ المسؤولية في نفس المصلي من خلال تلاوة قرارات وقوانين الصلاة، فكأنّها تخاطب الإنسان المسلم أنّك أيّها المصلي إنّ ما قدمت عليه من فعل تقصد به القربة ونيل الحظوة عند الله، إنّما تصل إلى ذلك بعد تأدّية صلاتك التي لا يقبلها الله من مقيم على الفحشاء وفاعل للمنكر، فكن على حذر، أن تصنع شيئاً ينافي شروط القبول، وأظهر شروط قبول الصلاة هو أنّها تنهى عن الفحشاء والمنكر، وهما معنيان جامعان لك ما ينافي الخلق والكرامة للفرد والمجتمع المسلم.. فالصلاة منهل من مناهل البرّ، وما يؤيد ذلك قول أبي عبدالله الصادق (عليه السلام): «للمصلي ثلاث خصال: يتناثر عليه البرّ من أعنان السماء إلى مفرق رأسه، وتحف به الملائكة من قدميه إلى أعنان السماء، وملك يناديه: أيّها المصلي، لو تعلم مَن تناجي ومَن ينظر إليك، وما التفت ولازلت عن موضعك أبداً».. ففي كلّ عمل يعمله الإنسان في الحياة جنبة قبول تنبني على أساس وشروط، إذا أتى بها الإنسان كان عمله في محل القبول والرِّضا، وإن تخلف واحد من تلك الشروط كان هناك الخلل الشائن الذي يعيب ذلك العمل، وبما أنّ الصلاة خير موضوع كما نصّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) على ذلك وأنّها «إن قُبلت قبل ما سواها، وإن رُدّت ردّ ما سواها»، وإنّها أوّل ما يُسأل عنه العبد يوم القيامة، كان لزاماً على المصلي أن يعرف كلّ ما يتصل بها، مجاهداً نفسه الأخذ بذلك، والعناية به، والصبر عليه، قربة إلى الله تعالى، طلباً لنيل الأجر والزلفى. وهو أساس كلّ عمل لأنّه لا تؤتي الأعمال مؤداها في حياة الإنسان ما لم يكن عنده ورع حاجز، فقد جاء عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «لو صلّيتم حتى تكونوا كالأوتار، وصمتم حتى تكونوا كالحنايا لم يقبل منكم إلّا بورع».

ارسال التعليق

Top