إنَّ تلاوة كتاب الله تعالى بوعي وانفتاح ومسؤولية، تعبّر تعبيراً صادقاً وحيّاً عن الشَّخصية الإسلاميَّة المؤمنة، الَّتي تعمل على استيعاب معاني القرآن الكريم في فكرها وحركتها، انطلاقاً من ارتباطها الفاعل بهويتها الأصيلة، ومن وعيها بضرورة تحمّل مسؤولياتها تجاه ذاتها والمحيط من حولها، لتؤدي وظيفتها بالشكل الصحيح والمتوازن، فكلَّما كان المرء منفتحاً أكثر، ومتدبراً لكتاب الله، كان قريباً من مواقع الفوز برضا الله تعالى ومحبته ورحمته.
القرآن الكريم هو كتاب الله وكلامه، وهو أساس وجودنا ودليل تربيتنا، وهو دستور الحياة، فتعاليمه تضيء لنا الطريق وترشدنا إلى الصَّلاح. وقد شبّه القرآن ذلك بالتجارة الرابحة التي لا تبور، حيث قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ* لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) (فاطر/ 29-30).
يقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «خياركم من تعلم القرآن وعلّمه»، وعن الإمام الصّادق (عليه السلام): «من استمع حرفاً من كتاب الله من غير قراءة كتب الله له حسنة، ومحى عنه سيّئة، ورفع له درجة».
القرآن الكريم هو بحر زاخر من العلم، فكلما قرأه الإنسان وتعلَّم آياته، يشعر أنّه بحاجه إلى تعلم المزيد والارتشاف من معينه، فمع القرآن الكريم لا يوجد أفق محدودة للتعلم. فالقرآن هو الحياة والنافذة التي نتطلَّع من خلالها إلى العالم، وهو المسيرة المزهرة بالتوفيق والسداد الرباني. القرآن كتاب شامل، ففيه كلّ ما يحتاج إليه الإنسان في سيره التكامليّ نحو السعادة من أسس العقائد إلى تنظيم المجتمع وأخلاق المعاملة وأدب العبادة وتنظيم حياة الناس، يقول تعالى: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) (النحل/ 89).
القرآن الكريم هو المصدر الإلهي الذي تكفّل للناس إصلاح الدين والدنيا، وضمن لهم سعادة الآخرة والأولى، فكلّ آية من آياته منبع فيّاض بالهداية ومعدن من معادن الإرشاد والرحمة، فالذي تروقه السعادة الخالدة والنجاح في مسالك الدين والدنيا، عليه أن يتعاهد كتاب الله العزيز آناء الليل وأطراف النهار، ويجعل آياته الكريمة قيد ذاكرته، ومزاج تفكيره، ليسير على ضوء الذكر الحكيم إلى نجاح غير منصرم وتجارة لن تبور. يقول الإمام الصادق (عليه السلام): «القرآن عهد الله إلى خلقه، فقد ينبغي للمرء المسلم أن ينظر في عهده، وأن يقرأ منه في كلّ يوم خمسين آية»، وقال أيضاً (عليه السلام): «عليكم بتلاوة القرآن، فإنّ درجات الجنة على عدد آيات القرآن، فإذا كان يوم القيامة يقال لقارىء القرآن: إقرأ وارقَ، فكلّما قرأ آية يرقى درجة».
ومن آثار قراءة القرآن في البيوت ما ورد في الأحاديث: «إنّ البيت الذي يُقرأ فيه القرآن ويُذكر الله تعالى فيه تكثر بركته، وتحضره الملائكة، وتهجره الشياطين، ويضيء لأهل السماء كما يضيء الكوكب الدرّيّ لأهل الأرض، وإنّ البيت الذي لا يُقرأ فيه القرآن، ولا يُذكر الله تعالى فيه تقلّ بركته، وتهجره الملائكة، وتحضره الشياطين».
إنَّ تلاوة كتاب الله في عمقها وجوهرها، هي انفتاح حيّ وعملي على مفاهيمه وقيمه، واستلهامها في حياتنا خطاً وسلوكاً، تجعلنا بحقّ من التالين لكتاب الله حقّ تلاوته والعاملين به، فلا تبقى تكراراً للحروف، بل تخرج من فضاء الفم لتلامس هموم الواقع والحياة.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق