• ٢٥ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٣ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الفوائد التربوية للصوم

عمار كاظم

الفوائد التربوية للصوم

إنّ من أهم الفوائد المترتبة على تأدية فريضة الصوم هي التقوى المتمثلة بالاستقامة على خط الشرع القويم وصراطه المستقيم وعدم الانحراف عنه تحت تأثير العوامل الضاغطة بطبعها على إرادة الإنسان. هذه صفة مباركة ولها دور كبير على فريضة الصوم حيث إنّ المكلف إذا التزم بتأدية فريضة الصيام تاركاً ما يميل إليه بطبعه من الطعام والشراب ونحوها من الحاجات الحياتية الأساسية واستمر على هذا الترك مخالفاً لهواه ممتثلاً لتكليف مولاه لا يدفعه لذلك سوى طمعه في ثوابه أو خوفه من عقابه. إذا التزم المكلف بذلك واستمر عليه طيلة شهر رمضان المبارك، فهو يخرج من مدرسة هذا الشهر متمتعاً بقوة مراقبة وصفة محاسبة للنفس تضبط تصرفاتها وتحصرها في إطار الوظيفة الشرعية فلا تفعل إلّا ما يريد الله منها فعلها ولا تترك إلّا ما يريد الله منها تركه لنفس السبب الذي كانت تترك به المفطرات أيام الصيام امتثالاً لأمره سبحانه. وهذه الصفة الثابتة والملكة الراسخة التي تثبت في نفس الصائم نتيجة ممارسته لهذه العبادة الصامتة هي المعبر عنها بالتقوى وحيث انها من أبرز الفوائد المترتبة عليها فقد نص الله سبحانه عليها بالخصوص في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة/ 183). ومن جملة الفوائد المترتبة على تأدية فريضة الصيام، الصبر وقوة الإرادة. وذلك لأنّ الإنسان يولد ضعيفاً جسمياً وروحياً فيحتاج إلى ما ينميه ويقويه من الغذاء والرياضة وكما طلب الشرع الإسلامي المقدس ممن يتولى تربية الطفل، أن يقدم الغذاء والماء لينمو جسمه وتحفظ حياته المادية ورجح له تدريبه على بعض الحركات الجسمية الرياضية ليتصلب عوده وتقوي عضلاته البدنية. كذلك طلب منه أن يقدم له الغذاء الروحي المتمثل بالعلم والمعرفة الصحيحة لينمو عقله وتسمو روحه وكلّ كيانه المعنوي وطلب منه أيضاً أن يعوده على ممارسة الشعائر الدينية والفرائض الإسلامية، وخصوصاً فريضتي الصوم والصلاة لتقوي بها إرادته وتتصلب عضلاته الروحية وبعد بلوغه عاقلاً يتوجه التكليف إليه على وجه الالزام بالاستمرار على تأدية الفرائض لما يترتب عليها من تقوية روح العبودية وصلاة الإرادة الذاتية. وتأتي فريضة الصوم في الطليعة من بين الفرائض والعبادات نظراً لما يترتب عليها من حبس النفس عما هي محتاجة إليه ومتعودة عليه. فإذا انقادت لهذه التكليف الشرعي الصعب وتعودت على تحمل مشقة الانضباط والامتناع عما يصعب عليها تركه نشأت من ذلك قوة روحية وصلاة إرادية كما تحصل القوة البدنية بترويض البدن وتعويده على حمل الأثقال وممارسة الصعب من الأعمال. والمكلف بحاجة ماسة إلى تحقيق هذه القوة وتحصيلها بالرياضة الروحية كما انّه بحاجة إلى تحصيل القوة الجسمية لتساعده على القيام بكثير من الأعمال الصعبة والشاقة. ومن جملة الفوائد المترتبة على تأدية فريضة الصوم إحساس الصائم بألم الجوع والحرمان فيمد يد الإحسان إلى المستضعفين من الفقراء والمساكين ليخفف أو يزيل ذلك الألم عنهم وقد روي عن نبيين عظيمين – وهما يوسف وسليمان على نبينا وعليهما أفضل التحية وأزكى التسليم – انّهما كانا يطويان أكثر الأيّام بالصيام من أجل أن يبقيا على حالة تذكر تفصيلي لحاجة الفقراء فيندفعا نحوهم بالعطف والحنان والبر والإحسان. لهذا فرض الله سبحانه الصوم على جميع المكلّفين الواجدين لشروط وجوبه من أجل أن يحس الأغنياء بآلام البؤساء فيعطفوا عليهم ويمدوا يد الإحسان إليهم. ومن فوائده معرفة قدر النعمة وفضل المنعم الذي وفرها له لأنّ النعمة لا تعرف إلّا بعد فقدها ومن الواضح انّ الطعام والشراب ونحوهما من أهم الآلاء السماوية التي مَنّ الله بها على الكثير من مخلوقاته وخصوصاً نوع الإنسان. ومن أبرز آثار معرفة قدر النعمة وفضل مصدرها المتفضل بها، هو أن يحافظ الإنسان عليها ويشكر المنعم بها عليه بعرضها في سبيل إطاعته ليبقيها ويزيده منها لقوله تعالى: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ) (إبراهيم/ 7)، ويفقده لها وإحساسه الفعلي بالحاجة الماسة لها وعدم الاستغناء عنها – يعرف قدرها كما يعرف واقعه وحقيقة أمره وهي الاحتياج المطلق إلى الغني المطلق وهو الله سبحانه وانّه إذا حجب عنه آلاءه وألطافه يتعرض للضرر الشديد أو الموت المحتم وذلك يضطره لأن يتنازل عن كبريائه فلا يطغى ويتجاوز حده بسبب استمرار النعمة وعدم التفاته إلى مصدرها الحقيقي. قال سبحانه: (كَلا إِنَّ الإنْسَانَ لَيَطْغَى* أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى) (العلق/ 6-7).

ارسال التعليق

Top