أهل البيت (عليهم السلام) عنوان مضيء في حياة الإنسانيّة وحركة التاريخ والمسيرة الإسلاميّة، أراد الله تعالى لهم أن يكونوا أعلام الهدى وقدوة المتّقين ومأوى أفئدة المسلمين، وروّاد الحركة الإصلاحيّة والتغييريّة في المسيرة الإنسانيّة ومنهم إمام المتقين الإمام الحسن بن علي المجتبى (ع). ولد الإمام الحسن (ع) في المدينة المنورة ليلة النصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة، وجاءت به أُمّه فاطمة (عليها السلام) إلى النبيّ (ص) يوم السابع من مولده في خرقة من حرير الجنة، كان جبرئيل (ع) نزل بها إلى النبيّ (ص)، فسماه حسناً وعق عنه كبشاً. وكانت شهادته الشريفة في السابع من شهر صفر سنة 50 هـ. كما كان الإمام الحسن (ع) أشبه الناس برسول الله (ص) خلقاً وهدياً وسؤدداً. وكان أعبد الناس في زمانه وأزهدهم بالدنيا .حج خمساً وعشرين حجة ماشياً، والنجائب لتقاد معه .وكان إذا توضأ، أو إذا صلى ارتعدت فرائصه واصفر لونه .ثم هو لا يمر في شيء من أحواله إلّا ذكر اللّه عزّ وجلّ. كما عُرف (ع) بحلمه الكبير الذي كان كفيلاً بتغيير بعض مَن عاداه، كما في قصّة ذلك الشامي الذي رأى الإمام المجتبى (ع) راكباً فجعل يلعنه والإمام الحسن (ع) لا يردّ، فلما فرغ أقبل الإمام (ع) فسلّم عليه وضحك وقال (ع) له: "أيّها الشيخ أظنك غريباً، ولعلّك شبّهت، فلو استعتبتنا أعتبناك، ولو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا أحملناك، وإن كنت جائعاً أشبعناك، وإن كنت عرياناً كسوناك، وإن كنت محتاجاً أغنيناك، وإن كنت طريداً آويناك، وإن كان لك حاجة قضيناها لك. فلو حرّكت رحلك إلينا وكنت ضيفنا إلى وقت ارتحالك كان أعود عليك، لأنّ لنا موضعاً رحباً، وجاهاً عريضاً، ومالاً كثيراً"، فلمّا سمع الرجل كلامه بكى، ثمّ قال: "أشهد أنّك خليفة الله في أرضه، والله أعلم حيث يضع رسالته، وكنت أنت وأبوك أبغض خلق الله إليّ". كذلك كان للإمام الحسن مكانة بين الناس فتعلّقت قلوب الناس بالإمام الزكي (ع) الذي كان - كما وصفه واصل بن عطاء - عليه سيماء الأنبياء وبهاء الملوك وكما وصفه غيره: لم يكن أحد أشبه برسول الله منه خَلقاً وخُلقاً ومن مظاهر حبّ الناس للإمام الحسن (ع) ما ذكر ابن كثير أنّه كان يبسط له في داره فإذا خرج انقطع الطريق فما يمرّ أحد من خلفه إجلالاً له. ومن مظاهر حبّهم له أنّه نزل ذات مرّة في طريق الحج عن دابة فنزل كلّ الحجاج عن دوابّهم إجلالاً له. ومن تواضع وعاطفته الممتزجة بالسخاء.. حيث إنّ كتب السيرة والروايات تحدثنا أنّ الإمام (ع) مرّ ذات يوم على مجموعة من الفقراء الذين ابتلوا ببعض الأمراض فدعوه إلى مُؤاكلتهم، فنزل من على دابته وجلس يأكل معهم وقام بتقديم الطعام لهم، وبعد أن انتهى دعاهم إلى بيته في مأدبة خاصة بعد الفراغ منها أعطى كلّ واحد منهم عطية. وكما قيمة الإنسان من الناحية الشخصية والمعنوية جسّدها الإمام (ع) عندما جاءه شخص وأراد أن يسأل بالكلام بين الناس، ومنعه (ع) عن السؤال بمرئً من الناس، وقال له: "اكتب حاجتك في رقعة ونحن نقضيها إن شاء الله"، بل، فعل الإمام أكثر من ذلك حيث علّم أصحابه والمحيطين به إنما يعطيه الإنسان للسائل لا يمثل جوداً، وقال: "إنّ الجود قبل المسألة وما أعطيته بعد المسألة فهو ليس بجود وإنما هو مبادلة بما يشتريه الإنسان منك بماء وجهه"، وهذا التعليم الحسني الرائع والجميل يمثل احتراماً وتكريماً للإنسان. والأمر الآخر الذي يلفت الإمام انتباهنا إليه أسلوب المناصفة مع الله تبارك وتعالى في أمواله ثلاث مرات، فكان يُقَسم جميع ما يملك بالنصف، فيُقدم للفقراء والمعوزين والمحتاجين نصف ما يملكه، وقد تكرر منه (ع) هذا العمل ثلاث مرات، ليُعلم الإنسان الرسالي كيفية البذل والعطاء في سبيل الله وأنّ هذا البذل لا ينحصر في دائرة التكليف الشرعي، وإنما دائرته أوسع، وله مفهوم يمثل عمقاً في وجدان الإنسان المُعطي له صِلةً بذلك الإنسان المُعطى. فالإمام يريد مواساة من قُتِّر عليه بالرزق. هذه بعض الصور الناصعة في حياة إمامنا الحسن (ع)، والتي تعلمنا درساً في البذل والعطاء.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق